عندما صوت مجلس الأمن على القرار 2728 مطالباً بوقف فوري لإطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان، والإطلاق الفوري للرهائن الإسرائيليين المعتقلين في غزة، كان رد الفعل في المجلس احتفالياً. وأخيراً تمكن المجلس من اتخاذ أول قرار لوقف النار بعد حوالي ستة أشهر من الحرب، وأول قرار تتقدم به مجموعة الأعضاء العشرة المنتخبين ويتم تبنيه بـ14 صوتاً وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت بدلاً من استخدام الفيتو. لكن فرحتهم لم تطل. فبعد التصويت بقليل جاء التعليق الأميركي على القرار مفاجئاً للبعض ومخيباً لآمال الذين اعتقدوا أن الحرب في غزة قد تم وضعها أخيراً على سكة الحل بعد استخدام الفيتو خمس مرات منذ اندلاع الحرب، ثلاث مرات من قبل واشنطن، واثنتين من قبل الروس والصين.

بعد تبني القرار بقليل قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميللر «إن تفسيرنا للقرار هو أنه غير ملزم». وأكدت سفيرة الولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية، ليندا توماس غرين، أن القرار غير ملزم من وجهة نظر الولايات المتحدة. أما الناطق باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، فكان الأوضح حين أكد أن هذا «القرار غير ملزم، لذلك ليس له أي تأثير على إسرائيل وقدرتها على الاستمرار في استهداف حماس». وشدد على أن التصويت «لا يمثل تغييراً في سياستنا».

أثارت التصريحات الأميركية زوبعة قانونية ودبلوماسية في أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة حول طبيعة القرار، وما إذا كان ملزماً أو لا. القرار لم يصدر تحت الفصل السابع، الذي يخول المجلس استخدام القوة لفرض القرار أو العقوبات على أي طرف معني لا يلتزم بتطبيق القرار. والفصل السابع يتم تبنيه من قبل المجلس عندما يرى أعضاؤه أن الحالة المعنية تمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. وهناك قرارات ليست تحت الفصل السابع وإنما تحتوي على لغة الفصل السابع أي «تهديد السلم والأمن الدوليين»، مثل القرار 1701 في جنوب لبنان، الذي أطلق عليه البعض أنه جاء تحت الفصل السادس والنصف وهو ملزم.

وعدّ البعض أن القرار 2728 جاء تحت الفصل السادس الذي لا يدعو إلى استخدام القوة لفرضه، ولكنه يبقى قراراً للمجلس وتتحمل الدول مسؤولية تطبيقه عبر «وقف مد إسرائيل بالسلاح أو التمويل، وإلا فهم يخرقون القانون الدولي»، وفق سفير عربي لدى الأمم المتحدة.

وجاءت ردود الفعل سريعة وجامعة حول إلزامية تطبيق القرار. فأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطوني غوتيريش على منصة «إكس»، أن «هذا القرار الذي تم انتظاره طويلاً يجب أن يطبق... إذا فشل المجلس في ذلك فسيكون من الصعب غفران ذلك».

وقال سفير الموزمبيق بدرو كوميساريو، رئيس مجموعة الدول العشر المنتخبة في المجلس، إن «جميع قرارات مجلس الأمن ملزمة وإجبارية». وأشار إلى أنه عضو في هيئة القانون الدولية منذ 15 سنة، «وأعرف ما أقول». وانضم إليه سفير سيراليون وهو خبير قانوني أيضاً، مؤكداً على إلزامية القرار، وأشارا إلى سابقة قانونية تدعم ذلك. فمحكمة العدل الدولية وفي رأي قانوني استشاري في قضية خلاف جنوب أفريقيا وناميبيا، رأت عام 1971 أن جميع قرارات مجلس الأمن ملزمة قانونياً بناء على المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة.

المادة 25 تنص على أن «أعضاء الأمم المتحدة يوافقون على قبول وتطبيق قرارات مجلس الأمن طبقاً للميثاق». وهذا يعني حسب الخبراء أنه لا انتقائية أو تراتبية في قرارات مجلس الأمن. لكن آخرين يرون أن الميثاق الذي أعطى الفصل السابع قوة التطبيق والتنفيذ بالقوة خلق تراتبية.

مسؤول سابق في الأمم المتحدة كان منخرطاً عن قرب في عمل مجلس الأمن، قال إن جميع قرارات مجلس الأمن ملزمة وتحمل الوزن نفسه، مع أن الولايات المتحدة وبريطانيا، حسب قوله، دائماً تعدان الفصل السابع وحده يتمتع بقوة الإلزام في التطبيق. وحذر من خلق سابقة، ورأى أن القول إن قرارات مجلس الأمن غير ملزمة «يقوض سلطة المجلس بكامله لأنه عندما تبدأ بتصنيف القرارات ملزمة أو غير ملزمة، تبدأ السير في منزلق وتأخذ دول أخرى مواقف مشابهة، فتقول إن لغة هذا القرار أو ذاك غير ملزمة وهذا يفكك سلطة المجلس».

سفير عربي من الفاعلين في التفاوض حول القرار قال إن جميع قرارات مجلس الامن تحتوي على لغة ملزمة ولغة غير ملزمة، ولكن جميع قرارات المجلس في حد ذاتها ملزمة، والمادة 25 من الميثاق تؤكد ذلك. ورأى أن الفصل السابع يتعلق بفرض تطبيق القرار عبر استخدام القوة أو العقوبات وليس حول طبيعة القرار وما إذا كان ملزماً أم لا.

وأكد السفير نفسه أن جميع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بفلسطين ليست تحت الفصل السابع. فهل هذا يعني أنها جميعاً غير ملزمة؟ القرار 242 مثلاً، ليس تحت الفصل السابع، ولكنه أساس كل عملية السلام بين العرب وإسرائيل منذ أكثر من نصف قرن.

الواقع أن الخلاف حول هذا القرار يذكّر بالخلاف حول لغة القرار 242 واستخدام كلمة واحدة هي أساس التباين والصراع منذ صدور القرار عام 1967. فالفرق بين النص الإنجليزي ودهاء اللورد كارادون السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة آنذاك، والذين عملوا معه على نص القرار واستخدموا الانسحاب من «أراضٍ محتلة»، والنص الفرنسي الذي استخدم (ال) التعريف «الأراضي المحتلة»، ظل حتى اليوم هو أهم عقبة رئيسية في التوصل إلى حل؛ لأن إسرائيل تصر على استخدام نص «أراضٍ محتلة»، بينما الجانب العربي يصر على الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967.

الاشتباك الدبلوماسي والقانوني في مجلس الأمن حول لغة القرار 2728 جعل أعضاء في المجلس يتساءلون عن مصير جميع قرارات المجلس حول قضايا أخرى، وبعضها تقدمت به الولايات المتحدة وتم تبنيها، فهل هذه غير ملزمة أيضاً؟ كما تساءل سفير حالي في مجلس الأمن.

السفير الكوري لدى الأمم المتحدة، وعضو مجلس الأمن قال إن القرار 2728 غير ملزم لأنه لم يستخدم كلمة «يقرر» المجلس، فالقرار استخدم كلمة «يطلب».

ويرى خبراء أن قرارات مجلس الأمن تصبح قانوناً دولياً سواء كانت تحت الفصل السادس أو السابع، وأنه ليس هناك ما يمنع مجلس الأمن من اتخاذ القرار بأن دولة ما تخرق القانون الدولي عندما تفشل في تطبيق قراراته.

وهذا ينطبق على إسرائيل إذا فشلت في تطبيق القرار الجديد. ويرى هؤلاء أن العبرة في تطبيق القرار لأن تطبيق قرارات مجلس الأمن لا يعتمد على قوة القرار وتحت أي فصل يقع، وإنما على الإجماع على تطبيق القرار والإرادة السياسية للمجلس وخصوصاً إرادة الأعضاء الدائمين.

والآن وبعدما رفضت إسرائيل تطبيق القرار تتجه الأنظار إلى المجلس مرة أخرى وإلى 18 أبريل (نيسان)، عندما يجتمع في اجتماع وزاري حول الحالة في الشرق الأوسط، حيث ينوي الوفد الفلسطيني إعادة إحياء طلب عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وطرحه على التصويت في مجلس الأمن. سفير عربي قال إن هناك 140 دولة تعترف بفلسطين اليوم «ونعمل على زيادة العدد، وسيبدأ التحرك في المجلس والجمعية العامة». في هذه الأثناء لا تزال الحرب مستمرة وتنسحب المعركة دبلوماسياً على أروقة الأمم المتحدة.