تُعرّف ويكبيديا «البعبع» بأنه «مخلوق أسطوري» يستخدمه الكبار ليخيفوا به الصغار، في مسعى لحسن تربيتهم، فإن لم يمتثلوا لنصائح آبائهم سينالهم الأذى من البعبع، الذي ليس له مظهر محدد، ولكن يتمّ تصويره في الغالب على أنه وحش مخيف، وفي المجمل يستخدم مصطلح البعبع «كتجسيد غير محدد أو كناية للخوف، وفي بعض الحالات، الشيطان».

البعبع الذي تخشاه أوروبا ليس مخلوقاً أسطورياً متخيّلاً لا وجود له في الواقع، وإنما هو رجل من لحم ودم اسمه دونالد ترامب، رئيس أمريكا السابق الذي يتهيأ لأن يعود لها رئيساً مرة أخرى. في السياسة، دائماً هناك حيز للمفاجآت، ولعلّ واحدة منها قد تحول دون أن يحقق ترامب حلمه في الإطاحة بخصمه اللدود جو بايدن، ولكن حكماً من المعطيات القائمة وتوقعات الساسة والمراقبين فإن فوز ترامب شبه مؤكد، ما يجعل أوروبا، مرة أخرى، خلال سنوات، وجهاً لوجه أمام «البعبع» الذي تخشاه، والذي خبرت طريقة تعامله معها عندما كان رئيساً لأمريكا.

ثمّة مستجد جوهري وكبير في التحديات التي ستواجه أوروبا فيما لو عاد ترامب رئيساً، هي الحرب الجارية في أوكرانيا. في ولايته السابقة لم تكن حرب مثل هذه في الوارد، وإن كان «شبح» روسيا يقلق الأوروبيين دائماً، لكن هذه الحرب اندلعت وتستمر حتى اللحظة، وهي التي عنها قال ترامب: «لو كنت رئيساً لأمريكا ما كانت هذه الحرب قد جرت»، وهو القائل أيضاً: «حين أعود رئيساً فسوف أنهي الحرب خلال أيام». وفي الحروب دائماً هناك منتصر ومنهزم، والأول هو من يملي شروطه حول طريقة إنهائها، وحكماً من الوقائع الميدانية، حتى اللحظة على الأقل، فإن الكفة راجحة لصالح موسكو، وهذا يعني أن إنهاء الحرب الذي يتعهد به ترامب سيكون بشروط ترضيها هي في المقام الأول.

مثلما لا يمكن القطع من الآن أن ترامب قادم لا محالة، لا يمكن الجزم أيضاً أن ترامب في نسخته الجديدة، سيكون هو نفسه في نسخته السابقة، خاصة في طريقة إدارة العلاقة مع موسكو، في ظروف الحرب الطاحنة الجارية، لكنه ما انفك يُوجّه الرسائل إلى حلفائه الأوروبيين الذين يحتفلون هذه الأيام بمرور خمسة وسبعين عاماً على إنشاء «الناتو»، الحلف الذي يجمعهم مع واشنطن، وفحوى رسائل ترامب للأوروبيين قاطعة: لن نواصل حمايتكم بدون أن تدفعوا ثمن هذه الحماية، بل بلغ به الأمر حدّ التهديد بتشجيع روسيا على مهاجمة دول في الحلف.

أوروبا الخائفة من البعبع في حيرة من أمرها، وتدرس دولها المفصلية كألمانيا وفرنسا خيارات بديلة بينها إنشاء مظلة نووية أوروبية بديلة، لكن المسافة بين الرغبات والواقع ليست قصيرة.