قبل السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، نسي العالم، أو كاد ينسى أن هناك مكاناً في الأرض يسمى فلسطين، وأن هناك قضيةً لشعبٍ اسمه الشعب الفلسطيني. قبل أحداث (٧ أكتوبر ٢٠٢٣) بأسبوعين، بالتحديد (٢٣ سبتمبر ٢٠٢٣) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خريطة للشرق الأوسط متباهياً: أن المنطقة إما تكون قد طَبّعَت، أو أنها في طريقها للتطبيع مع إسرائيل.

الفَرِيَةُ، التي أراد بنيامين نتنياهو يسوقها للعالم، هي: خريطة إسرائيل في وسط ما يدعيه ترحيب الجميع بها، التي تشمل كامل فلسطين التاريخية، لا توجد بقعة بها يمكن أن تُقام عليها دولة فلسطين. لقد أدخل ضمن إسرائيل كل الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية، بما فيها القدس.. وكامل قطاع غزة). باختصار: بتلك الخريطة أسقط نتنياهو كليةً خيار الدولتين.. وهذا ما أكده الرئيس الأمريكي جو بايدن، بقوله، حينها: إنه يستحيل تطبيق خيار الدولتين.

كاد العالم إذن أن ينسى القضية الفلسطينية، وشارف من كان يعتبرها قضيته المركزية على التخلي عنها. نَسِيَ العالم، في خضم الواقع الذي تريد إسرائيل فرضه أن في عنقه التزاماً سياسياً وأخلاقياً وقانونياً، بإقامة الدولة الفلسطينية. حتى الولايات المتحدة تلزمها قوانينها الداخلية، عدم الاعتراف بسيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، التي اُحتلت عقب حرب يونيو ١٩٦٧، وتعتبرها قانوناً أراضي محتلة، طورت واشنطن وفقاً لهذا مشروعها لحل الدولتين، عام ٢٠٠٢.

لكن الشعب الفلسطيني، كان له رأيٌ آخر، رافعاً شعار: ما ضاعَ حقٌ وراءه مطالب. صحا العالم، صباح السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ على إرادةِ شعبٍ يرفض الاستسلام للاحتلال وكل التسويات التي اتخذت، وتلك التي في طريقها للتفعيل، على حساب حريته وممارسة حقه، غير القابل للتصرف، في تقرير مصيره.

اقتراب إستراتيجي عملي لتذكير العالم، قبل العدو، أن الشعب الفلسطيني لم ينسَ قضيته، حتى لو أجمع العالم على نسيانها.. وأنه مستعدٌ لدفع تكلفة خوض معركة استقلاله، مهما كانت فداحة ثمنها في سبيل حريته وكرامته والدفاع عن تراب أرضه.. والأخذ بالثأر من عدوه، الذي اغتصب أرضه وطرده منها، بتواطؤ مشين، من قبل النظام الدولي.

بعد نصفِ عامٍ من الحربِ على غزة، لم يعد هناك إنسانٌ على وجه البسيطة لم يعرف عن قضية الشعب الفلسطيني.. ولم يبقَ إنسانٌ، على ظهر الأرض، به بقية من ضمير، إلا ويهتف بالحرية للشعب الفلسطيني، يطوف شوارع مدن العالم في مظاهرات سلمية تحمل الأعلام الفلسطينية متشحةً بالكوفية الفلسطينية هاتفةً: الحرية للشعب الفلسطيني.. ولتحيا فلسطين حرة. مسيّرات سلمية منددةً بالدول الداعمة للعدوان على غَزْة، شاجبةً فضائع جرائم الحرب التي ترتكبها حكومة الحرب في تل أبيب، مناديةً بوقفِ المجازر ضد الشعب الفلسطيني، التي تجاوزت جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية، من تطهيرٍ عرقيٍ وتهجيرٍ قسريٍ، وإبادةٍ جماعيةٍ، لتصل لحدِ القتلِ عمداً، بالتجويعِ الجماعي لشعبٍ حرٍ، حتى الموت.

أحداث غزة، لم تقتصر فقط على مظاهرات الشوارع العارمة في كثيرٍ من دول العالم، خاصةً في الدول الداعمة لإسرائيل، بل ترتيب فعاليات مؤيدة للقضية الفلسطينية وملاحقة فعاليات مضادة تنظمها منظمات داعمة لإسرائيل داخل البرلمانات والمقار الحكومية.. ومؤسسات المجتمع المدني، في الصحافة والجامعات ومقار الأحزاب السياسية والنقابات.

لو لم يكن سوى إنجاز هذا الاستيقاظ لضمير العالم تجاه القضية الفلسطينية ونكبة الشعب الفلسطيني بقيام إسرائيل، لكان هذا كافياً، لإعلان انتصار المقاومة والشعب الفلسطيني. لكن الانتصار الكبير قادمٌ بكسرِ إرادةِ العدوانِ وهزيمةِ أعداءِ الإنسانيةِ، عندما ينقشعُ غبارُ معركةِ غَزْةَ بين قوى الحريةِ وبغيِ أعداءِ السلام.

القضيةُ الفلسطينيةِ عائدةٌ، وبقوةٍ.. وسَتُتوَجُ العودةُ بإقامةِ الدولةِ الفلسطينية المستقلة ذات السيادةِ بعاصمِتها القدس. بينما العدوان إلى زوال، دولته وحلفه وكلِ من راهن علىَ فرس العدوان، في مضمار الحرية والكرامة والسلام.