ليست ظالمة ولا قاسية كما يحلو للبعض أن يصف الحياة. إن إطلاق الأحكام والصفات بهذه المجانية مجازفة وسلوك غير محمود، أولاً لأن الظلم والقسوة لا ينتجهما الوقت أو المكان، وثانياً لأنهما ليسا قدراً مقدوراً خلقا مع نفخة الحياة البكر على الأرض، الظلم والقسوة أنتجهما الإنسان، وهما صفتان ملازمتان له وليس لكائن آخر، لذلك يمكننا إسباغ سمات أخرى على الحياة تتسق وتتناسب مع عظمتها وحكمتها وأسرارها! كأن نصفها بأنها شاسعة ومتسعة وفوق قدرة البشر على الإحاطة بأسرارها، كما أنها ممتلئة بالمصادفات والأقدار والفرص الغريبة أو التي لا تصدق، وكأننا نقر بأنها المصنع الأول لأكبر الأسئلة الوجودية والمحيرة التي عصفت بعقل البشرية، وأنها الوعاء الأكبر للفرص والتجربة الإنسانية والجنون الذي بلا حدود، وأنها الاختبار الحقيقي الأكبر والأقسى والأصعب الذي يعبره البشر في طريقهم للأبدية، ولذلك كانت الحياة ولهذا خلق البشر، أما القسوة والظلم فإنهما أدوات ضعيفة من اختراع البشر لأجل ذلك العبور، وهي حتماً أدوات بائسة!

ولأن الحياة واسعة وشاسعة جداً، لا تكف عن منحنا الكثير من الفرص والتجارب والعلاقات والصداقات والبشر، فإنها تعلمنا وتفتح أعيننا على اتساعها لنعرف ونهدأ ونروض تلك الأنا التي هي دون غيرها من يأخذ بيدنا إما نحو الوعي واستيعاب ما نمر به ونتعرض له، وإما نحو الجهل والغوغائية وفقدان العقل والمنهج والطريق، ولذلك نرى كل هذا الصراخ والتخبط الذي يملأ العالم حولنا.

وسط ذلك كله ترسل لك الحياة بعض إشاراتها المضيئة، فتتصل بك سيدة عملت في منزلك زمناً، ثم غادرتك وانقطعت بينكما السبل إلا سبيل الخير ظل حبلاً ممدوداً بينكما، وفي كل ليلة عيد ترسل لك رسالة صوتية تشكرك وتطمئن عليك وتتمنى لك عيداً مباركاً، فتعرف أن القسوة من البشر وليست من الحياة، وأن الحياة نعمة حقيقية وفرصة عبور لإنسانيتنا، ولنوقن دوماً أن على هذه الأرض ما يستحق الفرح والحياة.

كل عيد وأنتم في أتم الفرح بالحياة.