يصعب على الكاتب أن يكتب عن نفسه، أو عمّا له علاقة مباشرة بشخصه، مهما كانت دلالاته بليغة، وتتعدى منفعة محتواه إلى الآخرين، قراء ومتابعين، كالتجارب الحياتية مثلاً، وجوانب من السيرة، وإن حوت عبراً، وما شابه من قيم، أفراحاً كانت أم أتراحاً. إن الكتابة من هذا النوع، الكتابة الشخصانية، إن جاز التعبير، مكانها ليس الأعمدة أو الزوايا في الصحف اليومية.

وإذا ما استخدمت مثل هذه الكتابة على نحو متكرر، اعتبرت مستنكرة من لدن كثير من أصحاب «الكار»، أولئك الذين اتخذوا الكتابة حرفة دائمة ومستمرة، لتصبح ممارستها لدى البعض منهم، قصة حياة، ووحدة مصير، قبل أن تتحول لدى بعضهم الآخر إلى مصدر للرزق، وللتأثير والشهرة من بعد. التصقوا بالكتابة، والتصقت بهم، وكان التصاقها غراماً. لا انفكاك له.

إن المطلوب من الكاتب الحكيم، صاحب الرؤية، أدبياً ومهنياً، أن يكتب عمّا يريده القارئ ويهتم به، عمّا يمسه مباشرة، ويعدّه قضية بالغة الأهمية، لها أولوية على رأس ما عداها من القضايا والأفكار.

ففي الكتابة، كل ما ليس له علاقة بشأن من شؤون القارئ، لا يصنع موجباً يلزمه بقراءته أو حتى تصفحه، لأنك تكتب بذلك لشخص لا يريد أن يقرأ ما لا يخصه، أو يهمه، لتبقى مادة كهذه، وإن بدت محكمة وشيقة وأنيقة، مهملة، لن تسترعي التفاتة منه.

الشاهد، أن المساحة التي ينفرد بها الكاتب، كي يكتب فيها، هي عملياً ليست ملكاً له، يستعرض فيها قدراته اللغوية والأسلوبية، وابتداعاته للصور الأدبية الجميلة، ويتنقل برشاقة الأرنب بين طبقات الكلام ومناقبه، وبما يتعدى، أحياناً كثيرة، فهم العامّة، فتنتفي بذلك المنفعة المنشودة، التي أرد الكاتب إيصالها، وحرص القارئ على مطالعتها.

وعلى الكاتب تجنب المقدمات التقليدية، فهي إضافة فقيرة القيمة، إن لم تكن مصدر ملل، يجب التخلي عنها. اجعل كتابتك، قدر ما تشاء، أشبه بقلب الخسة؛ ملمومة على الفكرة. أوراقها نضرة وشهية.