أيام المناسبات الدينية والاجتماعية التي اتفق الناس منذ أزمنة بعيدة على الاحتفاء والاحتفال بها في أي مجتمع من المجتمعات، كأيام الأعياد مثلاً، غالباً ما يمنحها الناس خصوصية تميزها وتظهر مقدار مكانتها لديهم، كأن يجعلوا لها طقوساً عبادية معينة، من أطعمة ومأكولات، ثياب وملابس، ترنيمات وأغنيات ورقصات، وحين تحل تلك المناسبات يتواصلون معاً ويجددون ما بينهم من ود انقطع أو مودة ما زالت قائمة، وعلى موائد الطعام الجماعية وفي غرف المعيشة التي تتجمع فيها الأسر والأصحاب يحدث الكثير ويقال الكثير.

على إحدى الموائد، جلست الصغيرات مترددات في تناول الطعام في أول أيام العيد، قالت الجدة: هذا الطعام لا نتناوله لأننا جوعى، نتناول وجبة مقررة، إنه طعام العيد، (عيش ولحم)، هو الطعام الاحتفالي المميز لأول أيام العيد، يميزه ويمنحه هويته، والشعوب تميز أعيادها وأيامها الفارقة بعلامات محددة تتوارثها جيلاً بعد جيل، فهناك من يتناول الكعك، وهناك من يجهز اللحم المشوي بطريقة تقليدية معقدة، المهم أن لكل شعب طريقته، وغالباً ما يستغرق الإعداد وقتاً ويحتاج لأيادٍ كثيرة، حتى يكتمل الشكل الجماعي للاحتفاء.

نحن لا نفوت هذه المناسبات، لذلك نحرص على أن ننقل من خلالها تفاصيلنا الدقيقة، ننقل للصغار ما لم يعد متداولاً بينهم بسبب تغير الوقت والأحوال، أسماء الثياب، مناسبات ارتدائها، أسماء الطعام، كيف يجهز، كيف كان السابقون لا يتركون تفصيلاً بلا اسم ولا صفة، علينا أن نتلو كل ذلك على أسماعهم كي لا تنقطع صلتهم بأسلافهم، وهذه الأيام وما يدور فيها تعتبر واحدة من أعظم الوسائل لتناقل الإرث الاجتماعي وبصمات الهوية كي نستمر، لأن أمة بلا هوية وبلا إرث لا يمكنها أن تضمن بقاءها بأمان وسلام.

تعجبني تلك الأمهات التي تحرص على كل ذلك، وأقف مندهشة أمام وعي الجدات والأجداد الذين لا يملون تكرار ما يعرفونه وما ورثوه عن أجدادهم أمام الصغار، دون يأس، لأنهم مؤمنون بما يقولونه وما يميزهم عن غيرهم، التميز الذي يعني الهوية والخصوصية، ولا يعني العنصرية أو الشوفينية!