بغضّ النظر عن حجم ما عُرف إعلامياً بالرد الإيراني على إسرائيل وتأثيراته المباشرة على المواقع التي استهدفها، فإنه لا يمكن التهوين من خطورته على المنطقة برمّتها التي يتطلع قادتها دوماً إلى ضرورة عدم إدخالها في أزمات جديدة، خاصة بعدما عزمت إيران الرد على إسرائيل انتقاماً لاغتيال عدد من المسؤولين الإيرانيين بعد استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق.

ساعات الرد الإيراني تصلح أساساً لتصور ما يمكن أن تكون عليه المنطقة، وبالطبع العالم، إذا ما توسعت المواجهة يوماً بين طهران وتل أبيب وأفلحت جهود توريط أطراف إقليمية أخرى في مجرياتها للزجّ بها إلى سيناريوهات خطرة.

بمعايير المكسب والخسارة، يُروّج أن طهران خلقت حالة من الردع بغير كلفة كبيرة، أو أعادت التوازن في موازين القوى وحسابات الغرب تجاه المنطقة. وهذا منطق المنحازين للجانب الإيراني، لكنّ مخالفيهم، أو الذين يرون في سياساته خطراً على المنطقة، يعتقدون أن إسرائيل الرابح الوحيد في ليلة الرد الإيراني، وأن بنيامين نتنياهو، رئيس وزرائها، أكثر المنتشين بما أقدمت عليه إيران، وأن غزة الخاسر الأكبر مع احتمالات أن تمتد الحرب عليها وأن تقل الانتقادات الغربية لمجرياتها.

ولا شك أن الرد الإيراني يطرح أسئلة جديدة عن مصير الحرب في غزة التي بدأت بما سمي «طوفان الأقصى»، بغض النظر عن المتداول عن علاقة إيران به، علماً أو تشجيعاً أو تنسيقاً، فخلال ستة أشهر قيل الكثير عن ذلك. ورغم أن مسؤولي «حماس» أفرطوا في شكر ما سموه مساندة إيرانية لغزة، فإن طهران لم تتحرك خلال الأشهر الستة على هذا النحو الدعائي الذي شغل العالم إلا ثأراً لنفسها، وهو أحد الجوانب اللافتة في ردها.

عموماً، فإن الرد الإيراني قدم لنتنياهو عمراً سياسياً أطول بأكثر من زاوية، لأن تصرف طهران ببساطة أزاح زخم ما يجري في غزة من الصدارة، وخطف الأضواء مما يتعرض له أهلها وجهود إغاثتهم الحديث عن رد تل أبيب على الاستهداف الإيراني أو الصمت بذريعة أنه لم ينتج أضراراً بشرية أو مادية تستدعي الاستنفار.

وبعد كل ما قيل عن خلافات في وجهات النظر بشأن ما يحدث في غزة، والتنديد ببعض نتائجه، جدد الرد الإيراني التأكيد على متانة الروابط الاستراتيجية بين الغرب وإسرائيل. ولم يعد ذا جدوى الحديث عن نفور متبادل بين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن، فما بين بلديهما اختلاف وارد تكراره بغض النظر عن الأسماء حول متغيرات وسياسات مرحلية، إنما الوشائج الاستراتيجية لا تهتز في أي وقت.

أضف إلى ذلك، التعبير العاجل عن الدعم الغربي لإسرائيل في مواجهة إيران إلى حد اشتراك مقاتلات بريطانية في اعتراض الطائرات الإيرانية، وفق ريتشي سوناك، رئيس وزراء بريطانيا.

إن الرد الإيراني قد يكون سبباً لإطالة أمد الحرب على غزة، وعمر نتنياهو السياسي، ليكون بذلك أكبر الرابحين متكئاً على ما يعتبره نصراً في المواجهة المباشرة النادرة مع طهران.