يسابق احتمال غرق لبنان في المواجهة الدائرة بين إيران وإسرائيل على أرضه، الجهود الدولية لمحاولة تحييده عن خوض إسرائيل حرباً مفتوحة انطلاقاً من جنوبه. قد تكون الجهود التي تواصل اللجنة الخماسية بذلها من أجل تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، واحدة من طرق تجنيب لبنان كأس تحول المواجهة الدائرة بين إسرائيل و»حزب الله» في الجنوب إلى حرب واسعة، طالما أنّ مساعيها للمخارج من الفراغ الرئاسي ما زالت تراوح مكانها، حتى إشعار آخر.

اللقاءات التي أجرتها اللجنة لم تعدّل كثيراً في مواقف الفرقاء اللبنانيين، وإن كان بعضهم من الجهتين المتقابلتين، يبدي ليونة من باب اللعب على الكلام، في شأن مفاتيح أي خرق. هناك من يوحي ببعض الليونة حول «مفتاح الحوار»، فيسميه تارة مشاورات أو مداولات... لكن الثغرة تعود فتظهر حول من يترأس هذا الحوار أو تلك المشاورات. ودول الخماسية مع تفهمها اعتبار معارضي الحوار على أنه فخ، لا يمكنها الوقوف ضد الفكرة. وبالمقابل تتجنب إقحامها في دهاليز السجال اللبناني حوله كي لا يصبح تدخلاً في أمر داخلي.

وهناك من يبدي مرونة في شأن مفتاح «الجلسة الانتخابية بدورات متتالية» لكنه يعود فيشير إلى وجوب إقفال محضر الجلسة حتى لا يبقى البرلمان هيئة انتخابية فيحول ذلك دون التشريع إذا طرأ ما يستوجب ذلك. فحاجة القوى السياسية بمعظمها إلى تجنب إجراء الانتخابات البلدية المستحقة والمؤجلة سنة، هي من الأمور الطارئة التي تحتاج تشريعاً يتطلب التئام البرلمان كهيئة تشريعية وأن يعلق دوره كهيئة انتخابية، طالما يتعذر انتخاب رئيس إما لسبب يتعلق بفقدان نصاب الثلثين، أو لسبب يتعلق بعدم قدرة أي معسكر على ضمان أكثرية النصف زائداً واحداً لمرشحه كما حصل في الجلسات الإثنتي عشر السابقة (آخرها كانت في 14 حزيران 2023)...

التأرجح بين الليونة في شأن أحد مفاتيح المخارج، وبين العودة إلى التعقيد تبدد تلك الليونة، لم يوقف تحرك الخماسية أو يدفعها إلى الاستسلام، بسبب الاعتقاد عند بعض دولها أنّ استمرارية مساعي ملء الشغور الرئاسي تساعد في لجم خروج التصعيد جنوباً عن محدوديته المدروسة الحالية، بحجة أنّ التقدم نحو انتخاب رئيس يسمح بإقناع إسرائيل بالتريث في قرار فتح الحرب ضد لبنان، لأنّ ملء الشغور يطلق دينامية داخلية قد تسمح بمعالجة الشكوى الإسرائيلية من تهديد «حزب الله» أمن مستوطنات الشمال، عبر العودة إلى التزام قرار مجلس الأمن الرقم 1701. فأيّ رئيس سينتخب سيكرس هذا الالتزام بالعمل مع الحكومة الجديدة على تدابير تزيل الخطر عن جبهة الجنوب، ويبعد شبح الحرب عن البلد، بدءاً بخلو جنوب الليطاني من السلاح غير الخاضع للسلطة الشرعية. أما الصيغة لتحقيق ذلك فيمكن التوصل إليها بتسريع التفاوض عليها بعد الهدنة في غزة.

بات معروفاً أنّ الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين وضع مسودة التطبيق المتدرج للقرار الدولي مع رئيس البرلمان نبيه بري، في زيارته الأخيرة. واتفقا على ترجمتها العملية بعد التوصل إلى الهدنة في غزة، والتي يضع الرئيس جو بايدن ثقله لتحقيقها. أكثر من مصدر أكد أنّ الرئيس بري يترقب تلك الهدنة لاستئناف البحث بوسائل تجنيب لبنان التصعيد الإسرائيلي جنوباً. وبعض المسؤولين لم يخفِ سعيه من أجل استباق أي جموح إسرائيلي عبر السعي إلى وقف النار جنوباً، بمعزل عن غزة، لكن محاولته لم تنجح. ما يميز أفكار فرنسا الدعوة لفصل الرئاسة عن الجنوب، وعن غزة، والنصح بفصل الجنوب عن غزة. وهذا ما ينتظر أن يناقشه الرئيس إيمانويل ماكرون مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بعدما كان حصل على رد الحكومة اللبنانية على ورقة باريس (قدمتها في شباط الماضي) عن التهدئة في الجنوب، يؤكد التزامها التنفيذ الكامل للقرار الدولي، وهو ما اعتبرته خطوة إيجابية، على أن يتلقى الجواب الإسرائيلي، ويبني على الشيء مقتضاه.

إلا أن المستوى الذي بلغته المواجهة الإسرائيلية الإيرانية باتت تعاكس جهود هدنة غزة، بدليل ما أعلنه رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أول من أمس عن أنّ هناك «إساءة استخدام وساطة بلاده في صالح مصالح سياسية ضيقة، ما استدعى الدوحة أن تقوم بتقييم شامل لهذا الدور».

حلّ مكان الطموح للهدنة، الترقب للرد الإسرائيلي على الرد الإيراني الذي حصل في 13 نيسان الجاري. فاحتمال أن يكون هذا الرد ضد «حزب الله» في لبنان هو أحد الخيارات الإسرائيلية، إذا حالت الضغوط الأميركية دون الرد ضد إيران مباشرة.