عندما أعلن سمو ولي العهد عن تفاصيل رؤية 2030 في صيف العام 2016، كان هناك توجه رسمي من الدولة - آنذاك - بتعزيز الارتقاء بعدد من القطاعات الاقتصادية، التي استشعرت الحكومة بأنها قادرة على دعم الاقتصاد الوطني، والوصول به إلى أبعد نقطة من التقدم والازدهار النوعي، وتربع "التأمين" على عرش هذه القطاعات، بعدما حظي باهتمام استثنائي من الدولة، بلغ ذروته في أغسطس من العام الماضي (2023)، بتأسيس هيئة للتأمين، تتولى إدارة القطاع، وتحدد بوصلته وأولوياته وأهدافه، بدلاً من البنك المركزي السعودي.

لم تشأ الهيئة الجديدة أن تضيع الوقت، وسعت إلى تحقيق أهدافها، وفي مقدمة تلك الأهداف، إيجاد قطاع يرتكز منذ البداية على سواعد المواطن، بدلاً من الأجنبي، فأعلنت عن الرغبة في رفع نسبة الناتج المحلي، عبر مسارات اقتصادية محددة، في مقدمتها توطين القطاع، وإدارته من قبل كفاءات بشرية وطنية، قادرة على النهوض به، وتحقيق مستهدفاته، وهو ما يفسر قرار الهيئة الأخير بتوطين كل وظائف مبيعات المنتجات التأمينية، اعتبارا من 15 أبريل الجاري، بكفاءات مدربة ومؤهلة، من منطلق دعم وتعزيز فاعلية قطاع التأمين، وسعياً لدعم وتمكين الكفاءات والقدرات الوطنية في القطاع.

وحقيقيةً، أجدني أتفاءل كثيراً بقرار توطين المبيعات بالمؤهلين، الذي سيكون له أثر إيجابي على مستقبل القطاع وعملياته، وأتوقع أن يتجلى هذا الأثر بتحقيق مبيعات قياسية، وهذا من شأنه أن يُسهم في تحسين الأداء العام، ورفع جودة الخدمات المقدمة بفعل التنافس الشريف بين شركات القطاع، ولذلك، لا أستبعد أن يثمر قرار التوطين عن دعم وتمكين الكفاءات والقدرات الوطنية، وفق أفضل الممارسات العالمية، وتطوير وتحـسين قدرات الكفاءات الوطنية العاملة في القطاع، وخفض نسبة البطالة في المملكة، والمساهمة في رفع وتعزيز حوكمة مبيعات المنتجات التأمينية، وتصحيح الوضع القائم المتمثل في الاستعانة بالبائعين الاجانب.

وما يميز قرارات "التوطين" في قطاع التأمين، أنها لا تقبل إلا بالنسبة الكاملة في إحلال السعوديين في وظائف المبيعات، خلافاً لقرارات السعودة، التي كانت ترتضي بنسبة سعوديين في وظائف القطاع، مقابل نسبة غير سعوديين، ولعل في قرار عدم منح عمولات المبيعات لغير السعودي ما يدعم القرار، ويضمن توطينه بالنسبة المطلوبة، خاصة إذا عرفنا أن إجمالي العمولات المتكبدة والمدفوعة في عام 2022م، وصلت 2.8 مليار ريال، تمثل نسبة 5.25 % من إجمالي أقساط التأمين المكتتبة، إضافةً إلى تعزيز حوكمة عمليات بيع وتسويق المنتجات التأمينية بما يرفع كفاءتها وموثوقيتها.

ومن الأمانة، أن نشير هنا إلى أن توطين قطاع التأمين، ليس حديث العهد، وإنما قديم، يرجع إلى العام 2017، عندما صدر قرار بتوطين إدارات مطالبات المركبات، وقرار آخر بتوطين إدارة العناية بالعملاء، وتلاه قرار بتوطين مهن مبيعات منتجات الأفراد، وكان لهذه القرارات تأثيرها في رفع نسبة الخدمات المقدمة.