ما لمسناه من حرص القيادة الرشيدة على راحة وسلامة المواطنين والمقيمين على هذه الأرض الطيبة نموذج عالمي يُقتدى به في إدارة الأزمات، فما تعرضت له الدولة في الفترة الماضية من موجة أمطار شديدة وغير مسبوقة أدت إلى تلف في بعض المنازل والسيارات والممتلكات خير دليل على الاستجابة السريعة والمنظومة الاستباقية المتكاملة في الدولة بتكاتف القطاعات كافة لإزالة الأضرار الناجمة عن الأمطار وعودة الحياة لطبيعتها في زمن قياسي.

وثار التساؤل عن أثر تلك التقلبات الجوية في الالتزامات التعاقدية بشكل عام والالتزامات التأمينية لشركات التأمين بشكل خاص ومدى كونها قوة قاهرة أو حدثاً استثنائياً يمكن توقعه والتمكن من دفعه، إذ يَكمُن الفرق بينهما أن القوة القاهرة تجعل الالتزام مستحيلاً بينما الحادث الاستثنائي يجعل الالتزام مرهقاً ويهدد المدين بخسارة فادحة، فالثابت أن مسؤولية شركة التأمين عن أداء التعويض تستند إلى عقد التأمين وليس إلى أحكام المسؤولية التقصيرية، وأن عقد التأمين تسوده الصفة التعويضية ويهدف إلى تعويض المؤمن له عن الضرر الذي يلحقه من جراء تحقق الخطر المؤمن منه في حدود هذا الضرر من دون أن يجاوزه حتى لا يكون مصدراً لإثرائه، كما أن «الوثيقة الموحدة» لتأمين السيارات تلزم مزودي الوثائق تعويض أصحاب المركبات عن الأضرار الناتجة عن الأمطار إذ تدرج حالات التلف الناتجة عن ظروف الطقس الاعتيادية ضمن مسؤولية الشركات عن تعويضات المركبات.

ولا يتم استثناء شركات التأمين من مسؤوليتها عن التعويضات سوى بشرط صدور قرار عن الدولة بتصنيف الظاهرة المتسببة في الأضرار ضمن الكوارث الطبيعية، إذ تلتزم شركات التأمين بالاشتراطات الموضوعة في الوثيقة التأمينية والتي تكفل لصاحب الوثيقة الحصول على الخدمة التأمينية سواء بإصلاح المركبات أو التعويضات عن أضرار المركبة المؤمنة، فوثيقة التأمين الشامل تكفل لحامل الوثيقة الحصول على تعويض الضرر الواقع على مركبته بشرط ألا ينتج الضرر عن كوارث مصنفة كوارث طبيعية.

وعرفت المنظمة الدولية للحماية المدنية الكارثة بأنها حوادث غير متوقعة ناجمة عن قوى الطبيعة أو بسبب فعل الإنسان وتترتب عليها خسائر في الأرواح وتدمير في الممتلكات وتكون ذات تأثير شديد في الاقتصاد الوطني والحياة الاجتماعية وتفوق إمكانات مواجهتها قدرة الموارد الوطنية وتتطلب مساعدة دولية وأبرزها الكوارث الأرضية مثل البراكين والزلازل والانهيارات الثلجية والكوارث المائية والأعاصير والكوارث المناخية مثل الجفاف والأعاصير والحرائق والاحتباس الحراري والأوبئة والمجاعات، وبذلك تلتزم شركات التأمين تغطية الأضرار التي تسبّبها الأمطار والعواصف للمركبات والمساكن بشكل عام، عبر معظم وثائق التأمين في الإمارات، إذا لم يصدر أي قرار عن السلطات المختصة بأن الحالة الجوية تُعدّ كارثة طبيعية.

وأكد المصرف المركزي أن الأضرار التي تعرضت لها المركبات والمنازل جراء الأمطار الشديدة نتيجة للحالة الجوية التي شهدتها الدولة مغطاة بالتأمين في حالة وجود وثيقة تأمين ضد أخطار الفقد والتلف «التأمين الشامل» وتعد شركات التأمين التي أصدرت تلك الوثائق مسؤولة عن التعويض وهذا الوضع ينطبق أيضاً على المنازل والعقارات إذ يحق للمؤمن لهم أصحاب العقارات المشمولة بالتأمين إصلاح الأضرار التي لحقت بعقاراتهم نتيجة للتقلبات الجوية الأخيرة على نفقة الشركات المؤمنة.

وأرست محكمة التمييز بدبي العديد من المبادئ القضائية بأن وثيقة التأمين هي التي تحكم العلاقة بين طرفيها من ناحية الأموال المؤمن عليها ومبلغ التأمين والخطر المؤمن منه وأن التزام المؤمن قبل المستفيد من وثيقة التأمين يكون على الوجه المتفق عليه فيها.

ولما كان المعيار في تغطية التأمين للسيول والتقلبات الجوية، وثيقة التأمين المحررة بين المؤمّن والمؤمّن له وقد قرر البنك المركزي أن تشملها هذه الوثيقة كما أن السلطات المختصة لم تعلن بأي طريقة أن ما حدث كارثة طبيعية فلا ترقى غزارة الأمطار وتجمعها في أماكن معينة نتيجة عدم تصريفها إلى مفهوم الكارثة الطبيعية التي تعفي شركة التأمين من التزامها بالتعويض، فإنه يجب على شركات التأمين أن تقوم بتعويض المتضررين عما لحقهم من أضرار نتيجة لهذه الأمطار.