لا يبدو أن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى باريس، مؤخراً، قد أحدثت خرقاً لافتاً في العلاقات الأوروبية الصينية، كما رغب نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في إضفاء بعد أوروبي على الزيارة، بقدر ما حاولت احتواء هذه العلاقات وضبطها والعمل على تطويرها وفق المصالح المشتركة.

من حيث المبدأ، استهدفت هذه الزيارة التي جاءت متزامنة مع الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية الفرنسية الصينية، وهي الثالثة التي يقوم بها شي إلى باريس في غضون 10 سنوات، نقطتين أساسيتين، وهما العلاقات التجارية وتذليل العقبات التي تعترضها، والحرب في أوكرانيا، فضلاً عن قضايا أخرى مثل تايوان والشرق الأوسط وغيرها. وسبق الزيارة مشاورات مكثفة أجراها الرئيس ماكرون مع عدد من القادة الأوروبيين، أبرزهم المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي اعتذر عن دعوته للمشاركة في المباحثات بسبب التزامات سابقة، وتم الاكتفاء بمشاركة المفوضة الأوروبية أورسولا فون دير لاين كممثل للاتحاد الأوروبي.

هذه المشاورات جاءت في إطار سعي ماكرون لتوحيد الموقف الأوروبي تجاه بناء علاقات استراتيجية مع الصين، وتأكيد استقلالية القرار الأوروبي بعيداً عما يسمى «التبعية» الأوروبية للولايات المتحدة، التي وصفها بأنها شريك. لكن لا يبدو أنه نجح في ذلك، فالخلافات الأوروبية ظلت على حالها، إذ ينظر معظم زعماء القارة العجوز إلى الصين على أنها داعم لروسيا وتوفر لها إمدادات السلاح والمعدات التكنولوجية، ناهيك عن أنها منافس شرس يسعى إلى الهيمنة الاقتصادية على القارة عن طريق القوانين الحمائية لشركاتها وإغراق الاتحاد الأوروبي بالمنتجات الصينية الرخيصة ومن ضمنها الصلب والسيارات الكهربائية.

وأقر ماكرون بعدم وجود «إجماع» لدى الأوروبيين بشأن الاستراتيجية الواجب اتباعها، لأن «بعض الأطراف لا يزالون يرون الصين كسوق للبيع»، في حين أنها «تقوم بالتصدير بشكل هائل نحو أوروبا. ومع ذلك فقد حاول ماكرون وحتى فون دير لاين أن يربطا مستقبل أوروبا بتطوير العلاقات مع الصين، على قاعدة المعاملة بالمثل وقيام منافسة عادلة في العلاقات التجارية والعمل على جذب الاستثمارات الصينية. وعلى الرغم من نفي الصين لتزويد روسيا بالسلاح، وتأكيدها بأنها تلعب دوراً إيجابياً في إيجاد تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية، إلا أن ذلك لم يكن كافياً للكثير من الزعماء الأوروبيين الذين يريدون من بكين استخدام نفوذها لدى موسكو لإنهاء عمليتها العسكرية في أوكرانيا، ويعتقدون أن العلاقات الروسية الصينية أكثر أهمية في الحسابات الاستراتيجية لبكين.

ومع ذلك فقد حاول شي إضفاء نوع من «التوازن» في زيارته الفرنسية/ الأوروبية، على العلاقات مع القارة الأوروبية من خلال زيارته إلى صربيا والمجر المقربتين من موسكو، رافضاً تشويه صورة الصين بسبب الحرب في أوكرانيا. فهل كانت الابتسامات التي ظهرت في حفلات الموائد والاستقبال تخفي وراءها الكثير من الخلافات أم أن العلاقات ذاهبة باتجاه تعزيز العلاقات الأوروبية الصينية والثقة الاستراتيجية المتبادلة؟ سؤال سوف تجيب عنه الأيام القادمة.