الأحد 27 تشرين الثاني الماضي، نشرت جريدة إيلاف الالكترونية تقريراً، اعده الصحفي (عبد الاله مجيد) بعنوان "الآشوريون المسلمون يعتزون بهويتهم القومية". رابط التقرير http://elaph.com/Web/News/2016/11/1121406.html. يلقي فيه الضوء على "جمعية آشورية اسلامية" تأسست مؤخراً في تركيا، تحديداً في مدينة (ديار بكر)، يرأسها (ايليم دونين). تهدف الى البحث عن الآشوريين الذين ارغموا على دخول الاسلام إبان المذابح التي تعرضوا لها في عهد السلطنة العثمانية الاسلامية، وجعل من الجمعية منبراً مفتوحاً لهؤلاء الآشوريين، ليتمكنوا من الافصاح عن هويتهم الآشورية وتعزيزها. وقد اعترف دونين بوجود صعوبات تعترض عمل ونشاط الجمعية. يقول: "إن الآشوريين المسلمين ليسوا احرارًا في التعبير عن اصولهم الاثنية بسبب ردود افعال محيطهم وهم يواجهون صعوبات". بالنظر للاختلاط السكاني والتداخل الديمغرافي بين الأكراد والآشوريين ومشاركة غالبية العشائر الكردية في فصول الابادة وفي عمليات السبي والخطف التي صاحبتها، الغالبية الساحقة من الآشوريين(سرياناً وكلدناً) المسلمين يعيشون ضمن المجتمع الكردي. القلة منهم تعيش في المجتمعات التركية والعربية والفارسية الايرانية المسلمة. طبعاً نحن نتحدث فقط عن الآشوريين الذين ارغموا على دخول الاسلام إبان مذابح القرن 19 و20، الدراسة لا تشمل الآشوريين، الذين ارغموا على دخول الاسلام إبان الغزوات الاسلامية الأولى لبلاد ما بين النهرين وسوريا الكبرى.
ليست صدفة أن تتأسس هذه الجمعية في مدينة (ديار بكر). فهي من المدن القديمة في بلاد ما بين النهرين. كانت عاصمة لإحدى الممالك الآرامية حتى خضوعها للسيطرة الآشورية في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. غزتها العديد من الشعوب والامبراطوريات. خضعت أخيراً لسيطرة العثمانيين المسلمين، وقد ضمتها تركيا بموجب (معاهدة لوزان 24 تموز 1923). دياربكر أو( آميد )،كما يسميها السريان الآشوريين، هي مدينة المفكر (نعوم فائق)، رائد النهضة القومية الآشورية. حتى نهاية القرن التاسع عشر، كانت ذات غالبية مسيحية(آشورية- أرمنية). غير أن الوجود الآشوري/السرياني والمسيحي بمدينة آميد(دياربكر) انحسر وتراجع كثيراً واقترب من التلاشي نتيجة سلسلة عمليات ابادة جماعية وترحيل قسري تعرض لها آشوريو وارمن ومسيحيو السلطنة العثمانية، ابشعها( مجازر 1895 و 1915 ). بسبب هذه المذابح، اصبحت دياربكر ذات غالبية كردية اسلامية. ولادة هذه الجمعية الآشورية الاسلامية بأهدافها المعلنة، يعني فتح ملف منسي، ملقى في سلة مهملات التاريخ، رغم أهميته، ليس على صعيد المستقبل السياسي للآشوريين وقضيتهم القومية فحسب وإنما أيضاً على صعيد العلاقة الاسلامية المسيحية في منطقة مازال الولاء للدين طاغ على جميع الولاءات والانتماءات الأخرى ولدى معظم شعوب المنطقة وإن بمستويات ودرجات متفاوتة. فتح ملف الآشوريين المسلمين، من المتوقع أن يثير سجال وجدل في الأوساط الآشورية والكردية حول مصير ومستقبل أكثر من مليوني آشوري (سرياني وكلداني) اختفوا في المجتمع الكردي– إذا ما أخذنا بالحسبان الزيادة السكانية على مدى أكثر من قرن للآشوريين الذين اسلموا واستكردوا إبان المذابح والابادات الجماعية. 
كما بقية الشعوب والأقوام الاسلامية في المنطقة، شكل "الاسلام" ومازال أحد أهم عوامل قوة الأكراد وأسباب تزايد اعدادهم وانتشارهم وتوسعهم الديمغرافي. بينما "المسيحية"، بالنظر لاختلافها عن الاسلام في العقيدة والنظرة الى الحياة والانسان، كانت ومازالت أحد أهم عوامل ضعف وانحسار الآشوريين المسيحيين في مناطقهم التاريخية في بلاد ما بين النهرين والمنطقة عموماً. أن تولد وتتأسس جمعية آشورية ومن قبل آشوريين مسلمين و بعد قرن كامل على الابادة الجماعية، من دون شك، يعد تطور مهم ونوعي على صعيد الوعي القومي الآشوري. إذا ما نجحت هذه الجمعية الآشورية الاسلامية في شق طريقها والنجاح في إقناع الآشوريين المسلمين أو على الأقل نسبة جيدة منهم بالإقرار بأصولهم الآشورية، من المتوقع أن تحدث نهضة قومية آشورية. فالآشوري المسلم سيكون عنصر حيوية وقوة وتجدد في المجتمع الآشوري، الذي يعاني من الوهن والانقسام والاحباط. ناهيك عن أن عودة الآشوريين المسلمين الى أحضان امتهم الاشورية، سيزيل الكثير من الحواجز والحساسيات الدينية والعرقية والثقافية، التي تراكمت عبر التاريخ بين الآشوريين والأكراد وبقية الأقوام الاسلامية في المنطقة. المنتظر أو المرتجى أن تشكل الجمعية الآشورية الاسلامية، حافزاً لدى الآشوريين والأكراد لتصحيح العلاقة بين الشعبين وتنقية الأجواء والمناخات السياسية والاجتماعية ومد جسور الثقة بينهما من جديد، بعد أن نسفتها مذابح 1915، التي حصلت بقرار من السلطنة العثمانية وبمشاركة كبيرة من العشائر وميليشيات الأغاوات الأكراد. تصحيح وتعزيز العلاقة (الآشورية- الكردية) متوقف بالدرجة الأولى على مدى تجاوب القوى والمنظمات الكردية مع نشاط الجمعية الآشورية الاسلامية وتشجيعها ومساعدتها في تحقيق الهدف الذي نشأت لأجله. الى تاريخية لم تعلن أية قوى أو منظمات حقوقية كردية موقفاً صريحاً من هذه الجمعية. ولادة هذه الجمعية الآشورية الاسلامية في منطقة هي اليوم ذات غالبية كردية، وضع مصداقية المنظمات والهيئات والجمعيات الحقوقية والسياسية الكردية، على المحك، فيما يخص احترام حق الانسان الآشوري المسلم المستكرد بالعودة الى هويته وأصوله الآشورية. من المهم جداً أن تحث هذه الجمعية الأخوة الكورد على الانفتاح على ماضيهم والتصالح مع تاريخهم والكف عن النظر الى كل شيء في المنطقة ( ماضيها، تاريخها، حاضرها، مستقبلها) بعين كردية. عليهم إخراج الخطاب القومي الكردي من الأساطير التي يتكئ عليها (وفق تعبير الكاتب الكردي العراقي نزار آغري). هذا يحتاج الى قرارات ومبادرات كردية جريئة وشجاعة وجدية تجاه أخوتهم الآشوريين،الذين ما زالوا يعيشون تحت وطأة مذابح 1915 ونتائجها الكارثية عليهم وعلى جميع مسيحيي السلطنة العثمانية. 

باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات 
[email protected]