ما ان كادت تهدأ الضجة التي اثارها قبل ثلاثة أسابيع الشيخ السعودي "سعيد بن فروة" في خطبته التي هاجم فيها الاباءوالإخوان الذين يسمحون لبناتهم واخواتهم بدراسة الطب والصيدلة، ثم العمل في مستشفيات الدولة بجانب الرجال، واتهمهم بأنهم من فتنوا بناتهم واخواتهم بالاختلاط وتفسخ الاخلاق، ووصفهم "بالإجرام والدياثة"، ودعا الله ان يشل اركانهم.

قبل ان تهدأ تلك الضجة تماما، خرج علينا "شيخا" اخر عراقي، يرتدي لحاف الدين (والدين منه براء) يدعى "الشيخ محمد الفضلي" وينتمي الى حزب الفضيلة الإسلامية بزعامة المرجع "الشيخ محمد اليعقوبي"، نافخا اوداجه في خطبة الجمعة (السادس من الشهر الجاري) واصفا طلبة الجامعات العراقية "بالمخنثين والمخانيث". 

يعف لساني عن التلفظ بهذه الكلمات البذيئة، ولكن أرى نفسيمضطرا ان اوثقهما حرفيا – مستندا على قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" - حتى لا يكون هناك أي التباس على القراء الكرامحول ما تلفظ به من فحش القول، وخصوصا أني سمعته بأذني على شريط الفيديو – صوت وصورة - الذي تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي.

كما طالب "الشيخ" وزير التربية والتعليم العالي بإقالة "طرد" جميع من لا يلتزم بالتطبيق الشرعي داخل المدرسة والجامعة، واعتقد –وربما أكون مخطئا - انه يقصد بالتطبيق الشرعي إطلاق اللحى بالنسبة للذكور، ولبس الحجاب والبرقع بالنسبة للإناث، منصبا نفسه وكيلا لله على عباده.

إذا كان هذا "الشيخ" قد وصف الطلاب بتلك الكلمات القبيحة، فلا بد ان في عقله الباطن وصفا لا يقل قبحا وشناعة للطالبات وان لم يتلفظ به، وهن الطرف الآخر الذي يتكون منه مجتمع الجامعات العراقية.

اسأل "الشيخ"، هل هذا هو المديح الذي يستحقه أبناء الشعب العراقي الذي ضحى بالغالي والنفيس من اجل العراق؟ هل من اخلاق الإسلام - الذي تدعي أنك من رجاله ومن المدافعين عنه - ان تصف شريحة كبيرة من الشعب العراقي بهذه الاوصاف القبيحة؟ لو كنت حريصا على مصلحة الشعب العراقي لوجهت سهام انتقاداتك الى من دمروا العراق، واستباحوا أمواله وخيراته، وسلموا ثلث مساحة العراق الجغرافية طوعا ومن دون اية مقاومة تذكر الى "داعش"، وجلهم من الأحزاب الإسلامية التي تحكم العراق منذ العام 2003م.

اود ان اذكر "الشيخ" ان رئيس الوزراء "حيدر العبادي" طلب من الأمم المتحدة في شهر سبتمبر من العام الماضي، مساعدة الحكومة العراقية في الكشف عن مصير 361 مليار دولار مفقودة من موازنات العراق بين عامي 2004م – 2014م، فضلا عن مصير آلاف المشاريع والاستثمارات في قطاعات الكهرباء والإسكان والزراعة، وذلك على الرغم من إنفاق الدولة على تلك القطاعات ما مجموعه 98 مليار دولار خلال العشر سنوات الماضية.

كما اود ان اذكر "الشيخ" ان في العراق حسب الاحصائيات الرسمية حوالي 850 ألف ارملة (من سن 12 سنة فما فوق)، وعدد الأيتام حوالي 600 ألف يتيم (الى غاية سن 17 سنة). هذه الارقام لا تشمل محافظتي الأنبار ونينوى. اما إحصاءات المنظمات الدولية، فتقدر عدد الارامل بحوالي ثلاثة ملايين ارملة، وأكثر من ستة ملايين يتيم. وبسبب الظروف المعيشية الصعبة وعدم توفر السكن والحاجات الأخرى، يعيش هؤلاء – الارامل والايتام – تحت مستوى الفقر، وخاصة ربات البيوت وهن الأغلبية.

وما يؤكد حقيقة فساد هذه الأحزاب وفشلها في إدارة الدولة طوال هذه السنوات، هو رفض المرجع الأعلى "السيد علي السيستاني" استقبال "السيد عمار الحكيم" والوفد المرافق له لبحث مشروع التسوية السياسية التي يهدف "الحكيم" الى تسويقها داخل العراق وخارجه بخصوص مرحلة ما بعد طرد تنظيم "داعش" من العراق، حيث أكد المرجع الأعلى انه لن يستقبلهم حتى يتم طرد جميع الفاسدين والفاشلين من هذه الأحزاب السياسية.

من المبادئ الأخلاقية للأحزاب السياسية التي تحترم شعوبها انه يتم فصل الأعضاء الذين يسيئون لشعوبهم سواء بالقول او الفعل، وعليه أتمنى على "حزب الفضيلة" ان يفصل هذا "المدعي" من الحزب، لأنه لا يليق بحزب سياسي يدعي الفضيلة ان يكون من بين اعضاءه شخصا لا يتصف بالأخلاق الفاضلة.

آخر الكلام: المضحك المبكي في هذا الموضوع، هو انه بعد ان تلفظ "الشيخ" بتلك الكلمات القبيحة، سمعت المصلين في المسجد يقولون بصوت عال "اللهم صلي وسلم على محمد وعلى آل محمد"، وهذه إشارة الى انهم موافقون على ما يقول. السؤال: أي مستقبل لهذا الجيل الذي يتلقى تعليمه وثقافته على ايدي مشايخ الفتن وبذاءة اللسان؟ وما هو مستقبل العراق اذا وقع يوما ما - لا قدر الله - تحت حكم هؤلاء المؤدلجون على كراهية الآخر؟