منذ بزوغ الإنسانية وتطور البشرية إلى مجتمعات مدنية، وظهور نظام الحاكم والمحكوم وتقاسم المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ظهرت فئة من الناس تتكسب على حساب فئات المجتمع الأخرى بالتملق إلى الحاكم أو المحكومين حسب الظروف التي تحكم الطرفين، وهذا ما يسمى في العلوم السياسية الحديثة بالانتهازية السياسية. هذه الفئة لا تقتصر على شريحة واحدة بل شخوصها من كل الشرائح التي تكون المجتمع البشري.

وتُعرف الانتهازية، أنها السياسة والممارسة الواعية للاستفادة الأنانية من الظروف. بالرغم من أن انتهازية البشر كثيرا ما تقترن بدلالة أخلاقية احتقاريه سلبية (على عكس، مثلا الانتهازية البيولوجية المستخدمة كوصف علمي محايد)، فيمكن تعريفها أيضا بطريقة محايدة أكثر على أنها وضع المصلحة الشخصية قبل مصالح الآخرين عندما تسنح الفرصة لذلك، أو التكيف بمرونة مع الظروف المتغيرة لتعظيم المصلحة الشخصية، بالرغم من أنها تكون عادة بطريقة تنكر بعض المبادئ التي كانت متبعة سابقا. هذا بالإضافة إلى أنه يتم تعريف الانتهازية في بعض الأحيان على أنها القدرة على الاستفادة من أخطاء الآخرين، لاقتناص الفرص الناتجة عن أخطاء الخصوم أو نقاط ضعفهم أو تشتت أفكارهم والاستفادة منها في المصلحة الشخصية. (المصدر: ويكيبيديا –الموسوعة الحرة).

تشكل الطبقة الوسطى المنبع الرئيسي للانتهازية السياسية، وما يميز هذه الطبقة في بلدان العالم الثالث كون حدودها غير واضحة ومتحركة بحكم عدم استقرار أوضاع البورجوازية المحلية، وتشمل فئة هامة من الأفراد الذين يعيشون بطرق ملتوية تقوم على الاحتيال واقتناص الفرص والصفقات المشبوهة، وتحاول دائما الالتصاق بالطبقة العليا ذات النفوذ في بلدها، وأن تكون لها علاقات نفعية بشتى الوسائل كالترغيب والرشوة. 

وإذا شاركت هذه الفئة في الحياة السياسية (وغالبا هذا ما يحدث)،لا يكون هدفها تحقيق الصالح العام وخدمة المواطنين بل تحقيق مصالحها الخاصة وتعظيمها وحمايتها، ولا تتردد في تتغير مواقفها وتحالفاتها إذا ما تغير ميزان القوى السياسي في البلاد. وقد لا تكتفي بذلك، بل قد تذهب إلى منح تأييدها للأفكار والمذاهبالسياسية والدينية رغم جهلها بهذه الأفكار. هذه الفئة من الطبقة الوسطى تشكل مصدرا رئيسيا لظهور الانتهازيين وأنصافالمتعلمين الذين يفتقرون إلى الثقافة بشكل عام. وبالتالي، فإن أهدافها السياسية غالبا ما تكون محدودة أو منعدمة ما دام الانتماء أو النشاط السياسي ليس هدفا في حد ذاته بالنسبة إليها، بل وسيلة أساسية لحماية مصالحها الخاصة.

أما انتهازية المثقفين، فهي من أخطر الظواهر في مجتمعاتنا العربية، هؤلاء الذين من المفترض أنهم يسعون إلى رفع مستوى الوعي السياسي والثقافي لدى الجماهير، نراهم يعملون العكس. المثقف الانتهازي لدينا يشكل وعيا ديماغوجيا لا يثبت على موقف، تراه يبرر لولي نعمته كل الخطوات كيف ما كانت. 

يقول الأستاذ "أحمد فهمي" أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس: "أن الانتهازي السياسي يجيد التحرك وفق الشائع، حيث أنه لا يتبنى الصحيح إلا إذا كان غالبا، ولا يهم لديه إذا كان صحيحا وضعيفا، وإنما ينتمي له أكثر إذا كان شائعا، فهو بالأساس لا يسعى إلى اتباع الحق ولكنه يهدف إلى الانتماء للرأي المنتصر. كما لا يؤمن الانتهازي السياسي بمبدأ الصداقة، حيث لا يتعدى المقربون لديه عن كونهم حلفاء، أما الأعداء بالنسبة له فهم ليسوا دائمين، فيمكن أن يصبحوا بين ليلة وضحاها أحبابا وحلفاء، طالما تلاقت الأهداف بينه وبينهم."

يسعى الانتهازيون السياسيون إلى تزيين الواقع بما يخدم مصالحهم الشخصية، وهم لا يكترثون ولا يتأثرون مطلقا بمصطلحات الكرامة والإنسانية، بل ينظرون إليها باعتبارها أمورا ليست ذات قيمة أو أهمية، كما أنهم يكرهون الحقائق ويعملون على تزويرها. الصعود على أكتاف الآخرين من أكثر الأمور التي يجيدها الانتهازيون السياسيون، حيث لا يمتلكون وسائل علمية أو معرفية تؤهلهم إلى الوصول لأهدافهم دون نفاق أو خداع أو كذب، فهذه أدواتهم التي يستخدمونها دائما. كذلك تكون اللغة التي دائما ما يتحدثون بها مع الآخرين هي لغة مزيفة، حيث يطلقون على السرقة والفساد نجاحا، وتحقيق الذات والصدق غباء، بعكس ما هو سائد ومتعارف عليه في قيم وثقافة المجتمع.

الانتهازية بكافة أشكالها هي الطامة الكبرى في مجتمعاتنا العربية، وتحتاج إلى مواجهة حقيقية من كافة الشرائح المجتمعية لاجتثاثها من جذورها.

آخر الكلام: عند مراجعة التاريخ السياسي لدول أوروبا الغربية ما بعد الحرب العالمية الثانية، نجدها قد تمكنت من وضع أسس وقوانين جديدة لممارسة العمل السياسي، قائمة على سلامة المواطن العقلية والسلوكية، وسلامة سريرته السياسية، وتمكنت من إقصاء كل مصاب بداء الانتهازية عن مراكز المسؤولية. وهو ما أمن لهذه الدولمركزها الحضاري، رغم ما أصابها من صراعات وحروب خلال القرنين الماضيين.