في الأعالي، في فضاء الكون المرئي، وعلى سطح ذرة غبار، أو أصغر منها بكثير، هائمة في هذا الفضاء، تسمى الأرض، قطع البشر طريقاً طويلة من البحث، منذ ما قبل حقبة أبيدوقلس الذي كان يحدد ويحصر ويختزل ما يراه من الكون في أفقه الضيق، بالأرض أو التراب والماء والهواء والنار، باعتبارها العناصر الأربعة الجوهرية المكونة له، إلى يوم الناس هذا، مروراً بحقبة اليونان وفيثاغورس وبطليموس، ونيوتن وكوبرنيكوس وغاليلو غاليله، وصولاً إلى آينشتين وبور وبلانك وبولي وغوديل وهيزنبرغ وشرودينغر وفايمان وغاموف وفريدمان ووينبيرغ، وانتهاءاً بستيفن هوكينغ وروجر بينروز وماكس تيغمارك وبريان غرين وميشيو كاكو وهيوبير ريفز وسيرج هاروش على سبيل المثال لا الحصر . شق هؤلاء الطريق العلمية نحو المعرفة الحقة وصولاً إلى الحقيقة العلمية الراسخة والمثبتة تجريبياً ومختبرياً ورصدياً ومشاهدة ورياضياتياً وأحدثوا ثورة علمية حقيقية في القرن العشرين والعقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، وتنبأ بعضهم بالكثير من المعطيات التي ثبتت صحتها رصدياً ومختبرياً وتجريبياً. توغلوا في المكان والزمان واكتشفوا الزمكان وماهيته ونسيجه ومكوناته وهندسته وهيكيليته ومحتواه وقوانينه، وانطلقوا منها إلى آفاق واسع, في ما وراء الأفق الكوني المرئي والمنظور وما يتعداه. ولكن منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي حدثت حالة من الاندفاع نحو نوع من التمرد على المألوف والسائد في الفيزياء المعاصرة في الوسط العلمي ومحاولة تجاوز الدعامتين الأساسيتين للفيزياء المعاصرة وهما نسبية آينشتين وميكانيك الكموم أو الكوانتوم ، والدفع بمعارفنا إلى خارج الحدود التي بلغتها قبل بضعة عقود. لكن المشكلة كانت تكمن في عجز التكنولوجيا في مواكبة التقدم الذي تحقق نظرياً. ويسود تفاؤل بهذا الخصوص أن المستقبل القريب كفيل بحل هذا الإشكال وتقديم البراهين والدلائل العملية والتجريبية للكثير من المسائل المؤجلة حالياً. فهناك الكثير من التجارب على جدول الانتظار على الأرض وفي الفضاء للكشف عن المخفي واللامنظور أو اللامرئي، كاكتشاف جسيم الثقالة أو الجاذبية " الغرافيتون" أو اكتشاف ورصد الأوتار والأبعاد المكانية الإضافية التي تنبأت بها نظرية الأوتار الفائقة، واكتشاف أسرار أخرى تتعلق بمكونات المادة السوداء أو المظلمة والطاقة المعتمة أو الداكنة وأصل الكتلة في المادة واكتشاف الموجات الثقالية أو موجات الجاذبية الأولية الأصلية التي نشأت بفعل الانفجار العظيم، والتعمق في معرفة حقل وبوزونات ومحيط هيغز وكوسمولوجيا الكون المرئي البدئي المكملة لنظرية الانفجار العظيم ومعرفة ما قبل البغ بانغ وما وراء أو قبل جدار بلانك، وحقيقة التناظر والتماثل الفائق supersymétrie، وربما التوصل إلى النظرية الجامعة والموحدة الشاملة نظرية كل شيء. حققت النسبية نجاحات باهرة وصمدت أمام التحديات والاختبارات التجريبية المختبرية والرياضياتية والرصدية أوالمشاهداتية، وقدمت الكثير من التكهنات والتوقعات والتنبؤات، وثبتت نفسها كأحد أعمدة الفيزياء المعاصرة الراسخة والمتينة لكنها ظلت عاجزة عن تقديم أية شروحات وتفسيرات وحلول بخصوص اللامتناهي في الصغر وعالم الجسيمات الأولية مادون الذرية. وبموازاتها ظهرت النظرية الكمومية أو الكوانتية التي اختصت بعالم الجسيمات الأولية، وأبرزت أهمية نظريات الحقول الكمومية أو الكوانتية les théories quantique des champs ، وحققت هي الأخرى نجاحات منقطعة النظير أدت إلى تطبيقات عملية وعلمية وتكنولوجية مذهلة وباهرة، ورسخت نفسها هي الأخرى كأحد الأعمدة التي تتكئ عليها الفيزياء المعاصرة، ولكن بمجرد الجمع بين النظريتين رياضياتياً تنهار العملية ويأتينا سيل من النتائج الرياضياتية المحبطة المليئة باللانهائيات. وللخروج من المأزق أو الطريق المسدودة كان لا بد من اللجوء إلى الابتكار والفرضيات الغريبة الأقرب إلى الميتافيزيقيا والخيال العلمي منه إلى العلم. قبل العام 1996، كانت أغلب النماذج الكوسمولوجية تتضمن أبعاداً إضافية متخيلة أو افتراضية ذات أحجام ما دون ذرية كطول بلانك ، 10-33سنتمتر. لم نكن نمتلك التكنولوجيا المتطورة التي تتيح لنا الوصول إلى مثل تلك الأحجام والأطوال اللامتناهية في الصغر، وأصغر ما توصلنا لقياسه هو 10-20 من المتر، أي أصغر من جزء من مليون من حجم الذرة. في أعقاب البغ بانغ الانفجار العظيم، تشكلت المادة الطبيعية العادية المكونة من 76%من الهيدروجين و 24% من الهليوم وبعض آثار من الليثيوم، ومن تفاعل هذه العناصر تشكلت العناصر الأثقل داخل النجوم ولكن بإيقاع أبطأ. واليوم وصلت نسبة الهليوم إلى 28%، والهيدروجين إلى 70%، وبقية الذرات بنسبة 2%، لباقي الذرات التسعين التي نعرفها الليثيوم واليورانيوم من النيوكليونات ــ بروتونات و ونيوترونات ــ وإن متوسط كثافة المادة هو 0.249 نيوكليون في المتر المكعب الواحد بدقة خطأ واحد بالمائة . ويعتقد أن المادة المضادة التي تكونت مباشرة مع ظهور المادة العادية بعد عملية الانفجار العظيم قد اختفت عند تفاعلها مع المادة العادية فأفنت بعضها البعض وما تبقى هو النسبة الفائضة الباقية من المادة العادية أو الطبيعية. ولكن هناك مادة أخرى من نوع آخر غير مرئية موجودة في الكون المرئي. فبعد أن اعتقد علماء الفيزياء الفلكية أن المادة الباريونية هي الوحيدة الموجودة في الكون المرئي، اكتشفوا مؤخراً بطرقهم العلمية أن المجرات لا تتصرف كما لو إنها مكونة فقط من المادة الطبيعية العادية. فالعديد من عمليات الرصد والمشاهدات توحي بوجود شكل آخر من أشكال المادة، غير معروفة تماماً ومجهولة الماهية، وهي غائبة في المختبرات التجريبية لكن تأثيرها الثقالي وجاذبيتها محسوسة إلا أنها لا تتفاعل على نحو مباشر مع المادة الباريونية العادية ، وهي المادة المسماة اليوم بالمادة السوداء أو المظلمة matière noire ou sombre ولقد تم تشخيص هذه المادة الغريبة في حشود وسدم المجرات، إلا أن الوضع لم يتغير. فالمجرات تمتلك مكونات ـ النجوم وتجمعاتها المجرية ــ بإمكاننا تحديد سرعاتها المدارية بأجهزة السبيكتروسكوبي ــ المقاييس الطيفية ـ وفي ذات الوقت تعلمنا قوانين الميكانيك الكونية أو السماوية بشأن الكتلة التي ينبغي أن تكون هي الموضوع الأساس لشرح سرعة المكونات حول المركز، ويبقى علينا أن ندقق ونتأكد من أن كتل المكونات تتوافق مع الكتلة الكلية المحسوبة أو المقاسة. وهو ليس واقع الحال بالطبع لأن المجرات وسدم أو حشود المجرات هي أكبر كتلة من مجموع النجوم والمجرات التي تحتويها، أي أن هناك فائض بالكتلة، وإزاء هذا التشخيص صاغ عالم الفيزياء الروسي فريتز زفيتسكي Fritz Zwicky في عام 1933 مفهوم المادة المعتمة أو المظلمة أو السوداء، الضرورية لتفسير هذا الفارق في الكتلة. ولم يطرح ذلك المقترح أية إشكالية إذ تخيل العلماء أنها مادة عادية لكنها لا تتفاعل و لا تبث كميات مؤثرة وملموسة من الإشعاعات ، أو أنها لم تكن مشعة. وبعد إجراء التجارب والاختبارات تبين بما لا يقبل الشك أنه لايمكن لهذا النوع من المادة أن يتكون من نفس مكونات المادة العادية أو الطبيعية لأن المادة العادية ، وفي كل الظروف لا بد أن تبث نوع ما من الإشعاعات، سواء تحت الحمراء أو فوق البنفسجية أو أشعة إكس أو أشعة غاما الخ ... علاوة على إن تركيبة وهيكيلية وبنية الكون المرئي لاتتلائم مع فكرة أن هذه المادة الغريبة تتكون من ذرات وجزيئات كالتي نعرفها في المادة العادية. فالخلفية الكونية الأحفورية الإشعاعية الميكروية المنتشرة للكون المرئي تشير إلى أن هذا الأخير لم يكن منظم كثيراً بعد مرور بضعة مئات الآلاف من السنين بعد الانفجار العظيم ، وتشير الحسابات إلى أن الكون المرئي منذ تلك الفترة لم يرتب نفسه وفق بنية منظمة على نحو سريع ، والحال إن الكون يبدو متسقاً اليوم وهذا ما لا يتوافق مع معطيات ونتائج تحليلات الأشعة الكونية الخلفية المنتشرة. وللخروج من مأزق هذه المفارقة كان لا بد من افتراض وجود مادة مختلفة كلياً عن كل ما نعرفه بخصوص المادة العادية وهي لا تتفاعل على نحو مباشر مع مكونات المادة العادية ولا تبث إشعاعات أو ضوء من أي نوع كان، ولأنها غير مرئية نتج هذا الخلل في الحسابات ، وربما لأن المادة السوداء تقوم بتنظيم نفسها على نحو أسرع بكثير مما تفعله المادة العادية. وهي مادة ليست سوداء بقدر ما هي غير مرئية أو شفافة ، فهي تمتص الضوء و لاتعكسه ولا نعرف عنها سوى تأثيراتها الجاذبية أو الثقالية ولقد تم اكتشاف كوكب أسود مؤخراً يمتص كل الضوء الساقط عليه و لايعكس أي ضوء منه. البنية أو الهيكيلية والتجسيم الهندسي للكون المرئي يمكن أن يختزل بعبارة : مجرات تمتد على مد النظر إلى ما لا نهاية، وذات مظهر متشابه ومتماثل في كافة الاتجاهات. ولكن لماذا يكون الكون على هذا الشكل وهذه الهيئة؟ المنطقتين الواقعتين على طرفي نقيض في القطبين المتقابلين للكون المرئي لا يمتلكان الوقت الكافي لتبادل المعلومات بينهما نظراً لبعد المسافة بينهما والتي تبلغ مليارات المليارات من السنين الضوئية، ولمحدودية سرعة الضوء ــ 300000 كلم/ثانية ــ وبالتالي لم يتبادلا المادة و لا أي نوع من المعلومات المتعلقة بهما ومع ذلك لديهما نفس الهيئة والخصائص والملمح فلماذا؟ علينا أن نتقبل أن هناك ظاهرة فيزيائية مجهولة سمحت لكافة مناطق الكون المرئي بأن تمتلك نفس الخصائص وتمر بنفس مراحل التطور المقارن والحال أن قوانين الفيزياء والمادة التي نعرفها، بما في ذلك المادة السوداء التي لا نعرفها ، لا تسمح بوجود مثل هذا التبادل بالمعلومات. من هنا اضطر العلماء لتخيل ظواهر فيزيائية أخرى ربما وقعت في بواكير كوننا المرئي هي التي من شأنها أن تفسر مثل هذا الانتظام في الكون المرئي على مستوى اللامتناهي في الكبر، ومن بين تلك الظواهر المفترضة والتي ثبت حدوثها تجريبياً حادث التضخم الفوري الكبير. يعني ذلك حدوث مسافات شاسعة بين الأجرام السماوية ــ السدم وحشود المجرات والكوكيبات والغازات الكونية ما بين النجمية وما بين المجرية والنجوم والكواكب والأقمار ــ فنظامنا الشمسي لايتعدى جسيم في نقطة ماء وسط محيطات الأرض كافة بالنسبة لمجرة درب التبانة التي يوجد فيها، ويحيط بنظامنا الشمسي فضاء شاسع ومهول، فأقرب نجم بعد شمسنا، يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، ـــ أي ما يقطعه الضوء من مسافة خلال أربع سنوات بسرعة 300000 كلم في الثانية ــ في حين أن ضوء نجمنا الشمس يحتاج إلى ثمان دقائق ونصف الدقيقة لكي يصل إلينا بسرعة الضوء ويقطع مسافة 150 مليون كيلومتر هي التي تفصلنا عن الشمس، وبذلك فإن الضوء القادم من أقرب نجم إلينا خلال أربع سنوات يقطع مسافة أكثر من عشرين ألف مليون كيلومتر هي التي تفصلنا عنه. والشمس نجم عادي قزم يتواجد في مجرة عادية هي الطريق اللبني أو درب التبانة la Voie lactée، وهذه المجرة تحتوي على أكثر من مائة مليار نجم مكتشفة لحد الآن ـ يقدر ما فيها من نجوم بثلاث مائة مليار نجم ـــ تختلف كتلها وأحجامها مقارنة بحجم وكتلة شمسنا إلى جانب غازات وغمامات وأغبرة كونية وعدد مهول من المذنبات والنيازك والكواكب المنتظمة أو المتشردة التائهة وبالطبع الثقوب السوداء ، وكلها تدور حول مركز المجرة بحيث أن الجزء الظاهر أو المرئي من مجرتنا درب التبانة يمتد على امتداد مائة ألف سنة ضوئية، والمجرة على هيئة قرص وفيه أطراف، وفي إحدى تلك الأطراف الواقعة على ضواحي المجرة توجد شمسنا ونظامنا الشمسي وأرضنا وقمرنا والكواكب السيارة الأخرى المكون للمنظومة الشمسية. واقرب مجرة مجاورة لمجرتنا هي مجرة المرأة المتسلسلة آندروميدا Andromède وتبعد مسافة مليوني سنة ضوئية عن مجرتنا، وتقع في كوكبة آندورميدا ، وهناك في كوننا المرئي مئات المليارات من المجرات المتعددة الأشكال، حلزونية وبيضاوية ودائرية وغيرها من الأشكال، والمسافات القائمة بينها غير قابلة للتخيل فهناك منها ما يقع على بعد عشرات المليارات الضوئية عنا على تخوم الكون المرئي ما يتجاوز عمر الأرض المقدر بأربعة مليارات ونصف المليار سنة ، أي أن ضوئها لم يصل إلينا بعد، فهو يستغرق مدة زمنية أطول بكثير لكي يصل إلى الأرض، فالتصادم نادر لكنه ممكن الحدوث بين النجوم أو بين المجرات حيث يعتقد أن مجرة آندروميدا ستصطدم وتندمج وتتداخل مع مجرتنا درب التبانة بعد بضعة مليارات من السنين. وهناك اعتقاد سائد لدى العلماء أن شمسنا يمكن أن تنتمي لنظام شمسي ثنائي كما هو حال الكثير من الأنظمة الشمسية في المجرة وإن شمسنا الثانية تسمى نميسيس Némésis أو نجمة الموت إلا أننا لم نكتشفها بعد وهي غامضة وبعيدة جداً، مثلما يعتقدون أن هناك كوكب صخري عملاق تاسع في نظامنا الشمسي ضخم جداً لكنه بعيد ولم نكتشفه بعد إلا من خلال تأثيره الثقالي وجاذبيته . فلكل جرم أو جسم سماوي أو فضائي ثقالة أو جاذبية وللأرض كذلك. فلو رمينا حجراً فسوف يسقط على الأرض إلا إذا أطلقناه بسرعة 40000 كلم/ساعة فسوف يفلت من الجاذبية الأرضية ولكن هناك قوة الجاذبية الكونية التي تمارسها باقي النجوم والمجرات والثقوب السوداء في الفضاء الخارجي ما يجعل كل شيء يدور في مدارات معينة وبالرغم من هذا الجاذبية الكونية فإن الكون المرئي مستمر بالتوسع والتمدد ما يؤشر إلى وجود قوة أخرى مضادة للجاذبية الكونية، قوة طاردة هي تلك التي سميت بالطاقة الداكنة أو المعتمة أو السوداء énergie noire ou sombre. ولا نعرف عن هذه الطاقة أكثر مما نعرفه عن المادة السوداء أو المظلمة، أي لا شيء تقريباً. فنحن نجهل كل شيء عنهما وعن ماهيتهما ومكوناتهما وكل ما نعرفه تقديرياً هو درجة كثافة الطاقة السوداء أو المعتمة وتقدر بــ 3.45 نيوكليون في المتر المكعب الواحد وبنسبة خطأ أو تشكيك تصل إلى 2%ولا شيء يثبت أنها تتجسد عبر جسيمات معينة، ومع ذلك نأمل أننا سنكتشفها في المستقبل مع التقدم العلمي والتكنولوجي المأمول، فلا أمل في الوقت الحاضر في اكتشاف هذه الطاقة في المختبرات الحالية، كل مايمكننا فعله هو تحديد سلوكها النابذ أو الطارد المضاد للثقالة أو الجاذبية الكونية، ومعرفة ما إذا كانت خصائصها تتطور مع الزمن. وهي في الوقت الحاضر تبدو ثابتة ومستمرة على نفس الإيقاع وهناك سيناريوهات عديدة بشأنها وبخصوص تطورها المستقبلي ، وهناك من يقول ببساطة أنها غير موجودة وهي مجرد فرضية لا أكثر ولا دليل علمي على وجودها. وإن قوانين الثقالة أو الجاذبية الكونية هي التي تتغير وتتباين على المستويات الكبرى في نطاق اللامتناهي في الكبر.

اللغز والتحدي الدائم:

تقدر كثافة الفوتونات بــ 413 في السنتمتر المكعب الواحد، وهي أكبر بمليار ونصف المليار مرة من الباريونات التي تقدر بــ 0.249 نيوكليون في المتر المكعب الواحد. وأغلب الفوتونات والنيكيولونات نجم عن الإنفجار العظيم منذ بدايات الكون المرئي البدئي. وكما قلنا في تلك الحقبة من عمر الكون الوليد الشديد الكثافة والسخونة، كانت المادة العادية والمادة المضادة متعايشتان ولديهما خصائص متماثلة تماماً ما عدا الشحنة الكهربائية فهي متناقضة ، إحداهما سالبة والأخرى موجبة، وكانا بقدر الفوتونات في لحظة الانفجار العظيم، من الناحية النظرية على الأقل، ولكن مع انخفاض الطاقة بعد الانفجار تغير سلوكهما وحدث خلل بسيط في تعادلهما ، ومع استمرار انخفاض درجة الحرارة، حصل تفاعل بينهما وفنى أحدهما الآخر بكميات متساوية تقريباً، ولكن بقي هناك فائض ضئيل من المادة العادية هو الذي جئنا نحن وكل شيء موجود في الكون المرئي الحالي من ذلك الفائض في المادة العادية واختفت المادة المضادة كلياً ولكن لا ندري أين، فهل هناك كون مماثل لكوننا المرئي مكون من المادة المضادة؟ لا أحد يمكنه أن يجزم بذلك. فنسبة المادة الضعيفة بمقارنة فوتونات الأشعة الخلفية الكونية المكروية الأحفورية المنتشرة، هو الأثر الوحيد الباقي عن ذلك اللاتماثل واللاتناظر asymétrie بين المادة والمادة المضادة والذي حدث في بدايات الكون الأولي البدئي، إن هذا اللاتماثل أو اللاتناظر ، يجب ألا يتجاوز نسبة عشرة أس 25 بالسالب 10-25 ، حسب النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات الأولية. وبالتالي كان ينبغي للكون الناجم أن يزود بكمية مادة تقل بنسبة مليون مليار مرة مما هو مرصود فكيف نفسر هذا الفارق بين النظرية والتجربة الرصدية؟ وهناك مشكلة أكبر من ذلك مطروحة على فرضية الطاقة السوداء أو المعتمة، إذ أن فيزياء الجسيمات الأولية تقترح تفسيراً بسيطاً لها باعتبارها مجرد تمظهر لطاقة الفراغ. والفراغ في فيزياء الجسيمات الأولية هو الحالة في أوطأ مستوى للطاقة يمكن أن يوجد، وهو قريب من الغياب التام للجسيمات الأولية، إلا أن مبدأ اللايقين أو عدم الدقة incertitude الملازم للعالم مادون الذري يقول لنا أن الفراغ ليس حقاً فارغاً تماماً . ويكون كما لو أنه مليء بجسيمات افتراضية تظهر فجأة على شكل أزواج وتفني بعضها البعض فوراً وتنعدم وهكذا باستمرار وتسمى هذه الظاهرة "الاهتزازات أو التقلبات الكمومية أو الكوانتية للفراغ Fluctuations Quantiques du Vide"، وهي مزودة ذاتياً بطاقة هي المعروفة بطاقة الفراغ. وهي خاضعة لقانون آينشتين بشأن الطاقة والكتلة أي الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء E=mc2، وهي طاقة ذات ثقالة ، وعند دراسة خاصية الجذب في طاقة الفراغ هذه، وحسابها أو قياسها، سنجد أنها بالضبط تساوي الطاقة السوداء أو المعتمة التي افترضناها في معادلاتنا الرياضياتية النظرية. والحال أن كمية طاقة الفراغ كان يجب أن تكون أكبر بكثير من كمية الطاقة السوداء أو المعتمة المرصودة نظرياً ويتراوح الفرق بين عشرة أس ستين 1060، و عشرة أس مائة وإثنان وعشرون 10122، وهي مشكلة جوهرية، فإذا كانت الطاقة السوداء أو المعتمة أو الداكنة التي حسبناها نظرياً ورصدنا تأثيراتها واكتشفنا، أنها ليست ناجمة عن طاقة الفراغ، فهذا يعني أن هذه الأخيرة ستكون معدومة وليست لدينا أية فكرة عن السبب في ذلك. أما المادة السوداء أو المظلمة ، فإن كثرتها تعتمد على الجسيمات الأولية التي تكونها والتي نجهل عنها كل شيء تقريباً، وهناك تجارب عديد تجرى سنوياً في مختلف المختبرات ومصادمات أو مسرعات الجسيمات في العالم للعثور على جسيمات المادة السوداء الأولية على أمل أن تتفاعل مع جسيمات المادة العادية المرئية في ظروف معينة وفي بعض العناصر النادرة . يتبع