((لقد اُكلتُ في اليوم الذي أكل فيه الأسدُ الثورَ الأبيض)) 


كحال مَن يفكر بالمحافظة على صحة البدن ككل من غير أن يحضهُ ضِيق الأفقِ للجوءِ إلى آلية البتر والنسف حتى يُقدم الجسد بكامل حلته، وكالذي من شوق رؤيته للجسم بأفضل صورته يسعى جاهداً لأن تكون التضاريس بمجملها في أتم بهائها ولا يعمل على تنحية الوديان على حساب شموخ الجبل، وكما يجاهد البدن الصحيح للإبقاء على التوازن المحمود بين مختلف الجبهات حتى لا يطغى فريقٌ على فريقٍ آخر، ولئلا تكون الأسقام للجسد بالمرصاد إذا ما لجأ القبطان إلى تفضيل كتلةٍ على أخرى من بين مختلف الكتل في الصرح المراد تشييده، هكذا كان مسعود البارزاني في تعامله مع كل شركائه في الحكم عموماً وشريكه الأقرب إليه أي الاتحاد الوطني الكردستاني بوجهٍ خاص، حيث أدرك الرجل بحكم تراكم خبرته ومعرفته بأن وجوده من وجود شركائه، مؤمناً بأنهم جميعاً في مركبٍ ينبغي أن يصل بأقل الخسائر إلى شطوط الفلاح، هذا بالرغم من كل الاختلافات الأيديولوجية والسيكولوجية بينهم، ولم يعمل لتنحية شريكه ولا سعى لإلغائه قط بالرغم من قدرته على ذلك لو أراد، وبالعكس تماماً فقد كان مصراً على أن يكون شريكه قوياً وليس معلولاً، ولا ابتغاهُ شريكاً هشاً تابعاً كما هو حال الأحزاب الحائمة في فلك الأحزاب الحاكمة في أغلب دول الشرق الأوسط، وذلك لأنه يدرك بأن صحة وقوة شركائه من صحة الإقليم وقوته. 
إلا أن الانتهازيين والباحثين عن منافعهم الشخصية أينما كانوا سواءً في الإقليم أو في أماكن أخرى من العالم، فهم عادةً لا يرتقون إلى مستوى تفكير الكبار ممن تشغلهم أحوال عامة الناس، الذين من رحابة الأفق يتجاوزن مضارب مصالحهم الفردية كرمى خلاص الأمة وفلاحها، لذا فالحزب الديمقراطي الكردستاني والبارزاني على وجه الخصوص وطوال السنوات الماضية حاولوا جاهدين لأن يعملوا للإقليم ككل باعتبار أن الإقليم هو بيتهم الأكبر، ولكن محنة البارزاني وحزبه هي في أن بعض شركائهم لم يصلوا قط الى مستوى ما يفكرون به، وظل رهط الانتهازيين مشغولاً فقط بجمع الثروات وزيادة الاستثمارات الشخصية وتبوؤ المناصب وأخيراً اللجوء منفردين إلى قاع المساومات مع أعداء الإقليم وسكانه. 
وبما أن كردستان مطوّقة بالكراهية منذ سنواتٍ طويلة من قبل جيرانٍ مهيئين للإنقضاض على تطلعات شعب الإقليم في أية لحظة؛ جيرانٌ امتلؤوا غيظاً منذ أن تنفّس سكان الإقليم على اختلاف مشاربهم بعض هواء الحرية في عام 1991، لذا فمن حينها لا يملون من حياكة المؤامرات ضد الإقليم على أمل تقويض تجربةٍ أثبتت جاحها منذ عام 2003، إلا أنهم أخيراً وجدوا ضالتهم التي لطالما سعوا إليها وبحثوا عنها طويلاً، وذلك من خلال ثلةٍ جاهزةٍ لأن تقامر بالإقليم وناسه كرمى تحقيق بعض المنافع الشخصية لهم، حيث أنهم من سطوة هواجس الاسئثار والجشع نسيوا بأن بعض المكاسب الصغيرة قد تجلب معها كوارث كبيرة قد تقضي عليهم وعلى من تآمروا عليهم أو خانوهم من أجل بعض المكاسب الآنية.
لذا فإن موقف ذلك الرهط المباع يقودنا إلى سرد قصةٍ تماثل من ناحية التصرفِ ما جاء على لسان البهائم فيها، وقد وردت القصة ضمن نوادر وأخبار الحيوانات، حيث تقول الحكاية إن ثلاثة ثيرانٍ كانوا متصاحبين يعيشون في المروج الخضراء بإتحادٍ وؤام، أحدهم كان أبيضاً والثاني أحمراً والثالث أسود، وكان يعيش بالقرب منهم أسد، وكان الأسد يحاول دائماً الهجوم عليهم وافتراسهم ولكنه لم يستطع النيل منهم بسبب اتحادهم، وذات يومٍ كان الأسد يشعر بالجوع فقال لنفسه: لا بد أن أعمل شيئاً عليَّ أن أفرقهم كي أستطيع إفتراسهم، وذات يوم رأى الثور الأبيض بعيداً عن الثورين الأسود والأحمر، فجاء إليهما الأسد وسلّم عليهما وقال لهم: أيها الثوران العزيزان أنه ليحزنني أن أراكما على ما أنتم عليه، فقال الثور الأحمر: فلماذا؟ فقال الأسدُ: هذا واضح فإن اللون الأبيض عند الثور الأبيض يمكن رؤيته من بعيد، أما لوننا فغامقٌ فلا يمكن رؤيته بسهولة، ولذلك فهو يشكل خطراً علينا، فقال الثور الأسود: نعم هو كذلك، وقال الثور الأحمر أما أنا فلم تكن علاقتي بالثور الأبيض ودية وجيدة، عندئذٍ قال الأسد إسمحا لي بالإنقضاض عليه وسيبقى المرعى لنا نحن الثلاثة، فقال الثور الأسود: الأمر إليك إفعل ما بدا لك، وقال الثور الأحمر: نعم لك ذلك، فانقض حينئذٍ الأسد على الثور الأبيض وأكله، غير أنه لم تمضِ أيام حتى جاء الأسد على الثور الأحمر وقال له: يا صديقي العزيز تعلم كم أنا أحبك؟ فقال تحبني أنا؟ فقال الأسد ألم تكن تعلم ذلك؟ فهذا واضح لأن لوننا متشابه أنا أصفر وأنت أحمر، أما الثور الأسود فهو مختلفٌ عنا، فلا أرى مبرراً لوجوده معنا في المرعى ويجب أن يبقى هذا الطعام لكلينا فقط، فقال الثور الأحمر: نعم كيف فاتني ذلك كل هذه المدة، فانقض الأسد على الثور الأسود وأكله، ولم تمضِ مدة حتى جاء الأسد إلى الثور الأحمر وقال له: سآكلك اليوم فأنا جائعٌ جداً، فقال الثور الأحمر: أتأكلني؟ إذن دعني أقول شيئاً: أيتها الحيوانات لقد اُكلتُ في اليوم الذي أكل فيه الأسدُ الثور الأبيض!
على كل حال فالرهط الذي عقد الاتفاقيات مع أعداء الملة لتحقيق مكاسب آنية، وعلى أمل النيل من عزيمة الاخوة، غدا حالهم كحال الثور الأحمر الذي تآمر على أقرانه، إذ ليس بغريبٍ أن يحصل لهم يوماً ما جرى للثور الأحمر، وذلك باعتبار أن التجارب التاريخية بمجملها تقول بأن خاتمة الخائن الحشرُ مع الخاسئين، وليس ببعيدٍ أن يأتيه يوم هذا طبعأ إذا ما فلح في مبتغاه وهيّض أجنحة كل أهل بيته فيكون فيه قربانٌ سهلٌ طيّعٌ في متناول أنياب مَن تآمر معهم على اخوته على غرار الثور الأحمر.