أبدت بعض الأوساط الإسرائيلية مؤخرا ارتياحها الكبير من الانتصارات الميدانية التي حققها بشار الاسد بمساعدة الطيران الروسي وحزب الله والمرتزقة الاجانب بالرغم من ان اسرائيل الرسمية لم تعلن اي موقف رسمي تجاه النظام السوري - مع ادانات ملطفة للجرائم التي يرتكبها - إلا ان موقفها أنه لا يجوز أن يكون البديل في حال سقوط الأسد هو المنظمات الجهادية المتطرفة لان الفوضى ستهدد الحدود مع الدولة العبرية وتجعلها مرمى الصواريخ ومهددة دائماً بالحرب مع الارهابيين والتكفيريين الذين سيتسللون الى الحدود والقيام باعمال تخريبية ضد سكان اسرائيل. لكن تطور الأحداث في سوريا أثبت أيضا أن الأسد كنظام قد أصبح لعبة بيد الإيراني وحزب الله وهذا ما يزيد الأمور تعقيدا ويجعل السياسة الإسرائيلية مرتبكة ومترددة تجاه ما يحدث في سوريا، اسرائيل لطالما تخوفت من بديل للاسد لان أي بديل للأسد سيطالب اسرائيل بالانسحاب من الجولان الامر الذي لم يقم به نظام البعث الاسدي منذ سقوط الجولان في قبضة اسرائيل حيث يعتقد معظم السوريين أن الجولان هي وديعة الأسد لدى اسرائيل مقابل بقاءه بالسلطة وهو ما أكد عليه علنا رامي مخلوف مدير أموال بشار وابن خاله.

اذا غصنا قليلا في الماضي البعيد فإن القليل من السوريين قد صدق ادعاء النظام بالعداء لإسرائيل فهم يعتبرونها مجرد نكتة، بل إن النظام قد استخدمها ذريعة لاحتكار السلطة وعسكرة المجتمع وفرض حالة الطوارئ التي استمرت منذ عام 1963 وما تزال والتي تغطي على سياساته القمعية واحتكار السلطة والثروة، بينما القاصي والداني في إسرائيل يعلم جيدا ان بقاء نظام الاسد هو من مصلحة اسرائيل على الأقل في المرحلة التي كانت فيها سوريا تعلن الحرب عليها. ان الاسد الاب والابن حرصا دائما على ان تكون الحدود بين البلدين هادئة ومستقرة ولإسرائيل مصلحة ان تكون جاراتها قوية تحكمها أنظمة شمولية وديكتاتورية شرسة تضبط بحزم وبقوة الحدود وتمنع تسلل المسلحين الى الداخل الاسرائيلي. نظام الاسد الاب عاقب كل جندي سوري متهور بمنظوره حاول ان يطلق النار في الجولان نحو اسرائيل لا بل ذهب ابعد من ذلك ووفق تقارير وشهود الجنود السوريين النظام اجبرهم تولي الحراسة على الحدود بدون اي ذخيرة في سلاحهم الشخصي خوفا من ان يطلقوا النار نحو الدولة العبرية. وهكذا حرس نظام الاب والابن على حدودنا نحو خمسين عاما في عهد حزب البعث في سورية فالأسد الأب والابن لم يطلقاَ رصاصة واحدة لتحريرها.
الحقيقة أن البعض ظن أو توهم ان الأسد الاب كان ينوي في السبعينات إشعال حرب مع إسرائيل لتحرير الجولان لكن على ارض الواقع نظام الاسد الاب كان انذاك على تواصل غير مباشر نظريا ومباشر عمليا وفقا لمستوى التنسيق التفصيلي في كل شاردة وواردة مع اسرائيل بمباركة بريطانية و امريكية. اسرائيل منحت للأسد حرية الحركة في لبنان مقابل عدم المطالبة بالجولان. اسرائيل اشترطت ان يحترم النظام خطوط حمر وضعتها اسرائيل ابرزها عدم تحليق للطيران السوري في الاجواء اللبنانية وعدم ادخال اسلحة وصواريخ سام تهدد سلاح الجو الاسرائيلي. لكن في عام 1981 خرق الاسد البند الاخير وادخل صواريخ مضادة للطيران الى البقاع اللبناني وهكذا دخلت سوريا في حرب مع اسرائيل في الاراضي والأجواء اللبنانية تكبدت سورية خسارة فادحة من خلالها على اثر سقوط اكثر من ثمانين طائرة ميغ سورية من قبل سلاح الجو الاسرائيلي وهكذا انشغل الأسد بدلاً عن المحاربة الى المتاجرة بالقضية الفلسطينية، فهو لم يجرؤ بعد ذلك على الاقتراب من الجولان ولم يدخل في أية حرب لا لتحرير فلسطين ولا لتحرير الجولان.


الاسد الاب والابن عملا على استغلال شعارات ما يسمى بالمقاومة او الممانعة كوقود محرقة لتنفيذ أجندات أخرى كحماية حركة امل وحزب الله ضمن مصالح ايران وهكذا لعب بالنار أيضا وأخل بشكل ضمني بالتفاهم غير المعلن بينه وبين اسرائيل، بل ذهب أبعد من ذلك لبناء قدرات عسكرية استراتيجية كالسلاح الكيماوي والنووي عبر البرنامج النووي الإيراني السوري المشترك والذي يفترض أن يكون قسمه السلمي في ايران بينما قسمه العسكري سري في سوريا، وقصة مفاعل الكبر الذي دمرته اسرائيل حسب نقارير صحفية في دير الزور عام 2007 تؤكد أن الهدف منه كان استخدام اليورانيوم المنضب في ايران لانتاج بلوتونيوم في مفاعل الماء الثقيل الذي كان يقيمه في دير الزور، بخبرات ايرانية وكورية شمالية وروسية من ورائها.
ومع ذلك تقتصر سياسة اسرائيل في سوريا حاليا على تقليص نفوذ إيران وحزب الله في المنطقة، فهي تركز اهتمامها حاليا لمنع تأسيس شبكات ارهابية على الحدود التي ترى فيها تهديدا. فهي معنية ببقاء الحرب الداخلية في سورية واستنزاف طاقات الجيش النظامي وإضعافه قدر الإمكان دون أن يتسبب ذلك بانهياره،لكن بالمقابل تأمل ألا ينجح الجيش النظامي بكسر المعارضة أو القضاء عليها مع تعقبها لقوى حزب الله والميليشيات الايرانية الاخرى.
لم تعد أسوأ كوابيس إسرائيل هي سقوط نظام بشار لان جميع اطياف المعارضة السورية طالبت اسرائيل بالانسحاب من الجولان في المستقبل البعيد اي في مرحلة سوريا ما بعد الاسد. لأن وجود سوريا ذاته وشعبها أصبح في مهب الريح، مسالة الجولان لم تطرح ابدا من قبل نظام الاسد الاب او الابن فهما لم يطالبا ابدا بالجولان إلا عبر الصحف والتصريحات الفارغة. وهذه احدى الاسباب التي جعلت الحكومة الاسرائيلية تتمسك بالأسد ولا تسمح بإسقاطه ناهيك عن الدعم الروسي المكثف الذي يناله من موسكو. لكن مسألة الجولان قد أصبحت ثانوية عندما تقسم سوريا وتتقاسمها الدول، كما هو ظاهر حاليا حيث ترتسم خريطة سياسية جديدة في المنطقة ليس فيها سوريا ولا لبنان ولا حتى دول عربية أخرى، مقولة شيطان تعرفه خير من شيطان تتعرف عليه لم تعد قادرة على متابعة سياستها تلك، لأن الشيطان الذي تعرفه جيدا أصبح بيد شيطان أكبر يتكون ويحاصرها، وهو شيطان المقاومة الإسلامية الذي يعمم نموذج حماس حزب الله ويمتد ويتوسع في المنطقة ويشكل التفاهم التركي الإيراني غطاء اقليميا واسعا له... الإبقاء على الأسد سيعني تمدد ذلك الحلف، وخديعة أن الروس والأسد سيخرجون ايران، لم تعد مقنعة لأن الإيراني قد خطط جيدا لامتلاك الأرض ولقلب الأسد بالتعاون مع المنظمات الإسلامية التي تملك الأرض في الطرف المقابل والتي أصبحت بيد الإخوان وتركيا المتعاونين مع ايران. 
عندما تقتنع اسرائيل بأن الإبقاء على الأسد سيعني تماما انتصار محور الممانعة الإيراني، ستتخلى عن هذا الشيطان الذي تعرفه وتألفه وتغامر مع عدو سابق يغير سلوكه ويمد يده، يتمثل في الشعب السوري الذي تعرض لمذبحة على يد جيشه ومحور الممانعة... وينتظر منها أن تمد يدها وتساعده. 


مؤسس ومدير منظمة فوروم كيديم لحقوق الانسان