علي صالح الضريبي 

ما الذي يحدث في السعودية اليوم؟

إلى الاجابة مباشرة.. السعودية اليوم تقود حراك حضاري هادر تجاوز حاجز "الصوت الرجعي".. السعودية اليوم أصبحت أقرب إلى المستقبل، وللأسف أقولها وبكل مرارة بأن "العائق الكهنوتي" هو من ظل محتجزاً السعودية في "بعد زمني" لم يكتشفه حتى آينشتاين!

هذا العائق الكهنوتي هو نفسه من عطّل – لسنين - أهم فريضة في الاسلام وفي رقي الأمم، وكاد أن "يهلك" الحرث والزرع والنسل في بلاد الحرمين! هذه الفريضة هي العدالة الاجتماعية.. أساس رخاء وتنمية أي أمة وما بعدها هيّن.. بشهادة الرسول الكريم القائل: "إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".

هذا العائق الكهنوتي الذي فرض غشاوة على أعين الشعب – لعقود - في أرضٍ نزل فيها "ظهر الفساد في البر والبحر"! هذا العائق الكهنوتي الذي عمل على تكثير المساجد، وتقليل المؤمنين! هذا العائق الكهنوتي الذي عمل على تصدر "سدنتهِ" للمشهد العلمي والاجتماعي والديني والسياسي والاقتصادي و.. وتغييب من يستحق فعلاً أن يتصدر هذه المشاهد بكفاءته لا ب "مشيخته"! هذا العائق الكهنوتي الذي أرغم الشعب إلى النظر إلى ظاهر أمثال العالمة السعودية "غادة المطيري".. وينشغل في الحديث عن "تبرجها"، ونمط ملابسها، ويتغافل مرغماً من قبل "الحشو الكهنوتي" الذي ملأ عقله – الواعي واللاواعي - بأنه – أولاً- قد جاء عن الرسول الكريم بأن "الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".. وثانياً، وهو الأهم، بأن هذه العالمة السعودية تقود البشرية اليوم إلى فتوحات علمية غير مسبوقة يعجز عن فهم "نانو" جزء منها شيوخ ترويج "ناقصات عقل ودين"!.. بل ولو أن السعودية احتضنت مثل هذه العالمة الاحتضان العلمي المطلوب، لكانت السعودية اليوم قاب قوسين أو أدنى من إحراز مجد "نوبل"!

لن اصمت اليوم وصحيح بأنني لست من أهل الدار ولكنني جار يتألم لسنين ممن يدحرج "كرة الثلج الكهنوتية" أمام صعود السعودية للقمة التي تستحق بين الأمم.. ويكفيني حماس قارئ الآن يستحثني بقوله.. "اجلد"!

هذا العائق الكهنوتي الذي أوجد معضلة في "الهوية الانسانية" لدينا .. عبر إخراجنا من حيز "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا".. إلى حيز لا يجوز تهنئة "أهل الذمة" بأعيادهم.. بالذمة!، وقس على ذلك. هذا العائق الكهنوتي الذي أفهمنا بأننا "أمة الله المختارة"، وما دوننا رجس من عمل الشيطان!

هذا العائق الكهنوتي الذي أوقف الشعب على تفسيره الخاص للآية الكريمة "إنما يخشى الله من عباده العلماء"، وأن المقصود بالعلماء هنا هم "علماء الشريعة والفقه" فقط! بينما جاء فيما قبلها من نص، "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك".. وفيه إشارة واضحة بأن القصد يمتد ليشمل، علماء الطبيعة والجيولوجيا والنفس.. إلخ

هذا العائق الكهنوتي الذي لم يدع مجالاً للشعب بأن يدرك بأن كل إيمان لا يُبنى على العقل لا يُعد كاملاً وكل نص قرآني يحدث تصوره في الظاهر تناقضاً عقلياً في الذهن يجب تأويله حتى يرتفع هذا التناقض.. وأن ما ما دون هذا فهو "ايمان العجائز"!

هذا العائق الكهنوتي الذي يجعل من أحدهم وهو يقرأ هذا المقال أن يصفني بأني "ليبرالي" أو "علماني" أو حتى "ملحد"، دون النظر إلى صحة وواقع المكتوب! نعم.. أشير إلى القمر.. وأحدهم الآن ينظر إلى اصبعي!

هذا العائق الكهنوتي الذي اختصر وصفه وأجاد عبقري زمانه وكل زمان – ما عدا الزمان العربي! -، ابن خلدون، "إن اتباع التقاليد لا يعني أن الأموات أحياء، بل إن الأحياء أموات"!

اتجاوز هنا "العائق الكهنوتي" والحديث عنه فعلاً ذو شجون أبكت وتبكي القلب والعقل، وأعود إلى الحراك الحضاري الهادر الذي تقوده السعودية اليوم بقيادة وتنفيذ الأمير الشاب/ محمد بن سلمان آل سعود، ولي العهد السعودي، وبتوجيهات والده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، هذا الحراك الذي ابتدأ على عدة مستويات، ولكن حجر الزاوية فيه -ومناط استمراره- جاء عبر إحياء "فريضة" مكافحة الفساد، وتطهير أشرف البقاع من المفسدين الكبار قبل الصغار.. أمراء ووزراء ومتنفذون في الدولة ظنوا بأنهم "مانعتهم حصونهم" من سيل التطهير العرم.. حتى بات من صرعه أو لم يصرعه بعد هذا السيل، حاله اليوم، والأمير"المُطهِّر" محمد بن سلمان، كحال قول "صريع الغواني":

فإِذا تَنَبَّهَ رُعتَهُ وَإِذا غَفا

سَلَّت عَلَيهِ سُيوفَكَ الأَحلامُ !

وقفة قبل الختام هنا.. أدعو فيها كل مواطن سعودي وكل من يهتم بنهوض السعودية من خارجها.. بأن "تعُضّوا" على واقع الحراك الحضاري السعودي اليوم بالنواجذ، ففيه "تأثير دومينو إيجابي” سيطال ما يكبح الأمة العربية اليوم من النهوض فيما إذا نهضت السعودية - وهي قادرة بإذن الله وبجهود ابناءها المخلصين- لتتصدر موقعها الإقليمي بل والعالمي المفترض (السعودية قوة إقليمية على كافة المستويات، وقوة عظمى على مستوى الطاقة).. وإياكم والالتفات إلى "نظريات المؤامرة" التي تطرح حول أهداف هذا الحراك الحضاري السعودي وجديته.. "العض" على الهواء والهراء.. غباء!

ختاماً، الطريق طويل نحو بلوغ الغاية الحضارية السعودية، ولكن يحسب للسعودية المسارعة نحو بلوغ أول هذا الطريق عبر كبح جماح أهم آفة في تدمير الأوطان، وهي آفة الفساد، بطريقة عمودية من الأعلى إلى الأسفل، وهي الطريقة الناجعة الوحيدة.. نعم لم نزل في مسعى السير نحو بلوغ "أساسيات" بناء الحضارة السعودية – التي لا تكتمل الحضارة بدونها أو بالقفز عليها -، والعربية بشكل عام، وهي، أن نوقف تدمير أوطاننا، وأن نتعايش معاً دون إقصاء، وأن نمارس ونعطى حقوقنا دون تمييز.. بالله عليكم يا سعوديين ويا عرب هل هذا كثير لنعمل على تحقيقه؟!