كنتُ قد ذكرت في مقالٍ سابق، أنه في كل حقبة زمنية سيكون هناك فولتير وسيكون هناك أعداءً للتنوير، ومن يتأمَّل في واقعنا المعاصر سيجد أن التاريخ يعيد نفسه, حيث شاهدنا أنه وبعد عودة الحفلات الغنائية والموسيقية في بلادنا, انتفض أعداء الحياة والإنسان وبدأوا حملاتهم للسعي لإيقاف مظاهر الفرح والحياة, من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو على أرض الواقع كما فعل ذلك الشاب الذي قام بالإساءة للفرقة الموسيقية التابعة للجناح الماليزي في معرض الكتاب.
وكما قام فولتير بالتصدي لأمثال هؤلاء في زمانه, فإن هناك من تصدَّى وسيتصدَّى لهؤلاء الغلاة في زماننا هذا, خصوصاً وأننا نعيش في زمن تتوفَّر فيه كل الإمكانيات والوسائل التي تجعل منمواجهتهم وردعهم فكرياً أمراً سهلاً وبصورة سريعة وذلك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة التي تستهوي الشباب, ولا يتطلب الأمر سوى الشجاعة في النقد وقوة الإرادة والحب الحقيقي للوطن والإخلاص له, وأعتقد أن أبرز من قلمه وصوته يوجع أصحاب الفكر المتطرف هو الكاتب والمحامي عبد الرحمن اللاحم, الذي عُرِف بأسلوبه الرائع والمميَّز في نقده لمظاهر الغلو والأوهام التي يروِّجها أعداء الحياة, ولولا قوة تأثيره في كشف هؤلاء لما شاهدناه يتعرًّض بين الحين والآخر لهجمات ومحاولات تشويه صورته في مواقع التواصل وغيرها, وكما يُقال: الصراخ على قدر الألم.
إن المفكر أو الكاتب المتجرِّد عن ذاته والذي لا يبحث عن أمجاد لنفسه هو الذي يكون لأفكاره وآرائه وكلماته صدىً كبير ويتقبَّله أفراد المجتمع ويُحدث تغييراً ملحوظاً في عقولهم وبالتالي يتقدَّم المجتمع وينمو ويزدهر.
وفي كل مجتمع لابد أن تجد هناك شخصية ثقافية تجذب الكثيرين من مختلف الأعمار والطبقات, وهذا ما دعاني بعد طول تأمل وملاحظة ومقارنة بين أهم الشخصيات الثقافية والفكرية في بلادنا, فوجدت أن اللاحم يكاد يكون هو الأكثر تأثيراً وخصوصاً لدى الشباب, ولا يعني ذلك وجود قصور في الآخرين, وإنما حديثي عن الأكثر تأثيراً في الساحة الثقافية لدينا والأكثر قرباً من الشباب بمختلف أعمارهم.اللاحم ممتلئ داخلياً, واثق بنفسه, تلقائي وغير متصنع, يتفاعل مع الآخرين ببساطة ومحبة, لذلك نال محبة الكثير وحظيت أفكاره بالقبول وأحدثت مقالاته ونشاطاته في مواقع التواصل الاجتماعي التغيير الكبير. على العكس من ذلك نجد أن الكثير ممَّن يدَّعون الثقافة ينظرون للعامة والبسطاء من برج عاجي! يعتقدون أن مجرَّد ردهم على سؤال أحدهم في مواقع التواصل سيُنقص من قدرهم! 

هؤلاء في حقيقتهم مجرَّد أشخاص تسيطر عليهم عقدة الشعور بالنقص وإن بلغوا من العلم والثقافة ما بلغوا. 
ومن الطريف في الأمر أن نلاحظ التشابه بين فولتير واللاحم في عدد من الأمور, أهمها اتخاذ النقد الساخر كسلاح ضد أفكار التطرف والخرافات, والنضال المستمر ضد الغلاة والمتطرفين, كما نلاحظ عشقهم للتضحية من أجل تحقيق الهدف والطموح, حيث أن فولتير قد اضطر للعمل مؤقتاً في مجال المحاماة لأنها كانت رغبة والده ولعلَّه يجد وقتاً لكتابة الشعر المهنة التي كان يهواها, ونجد أن اللاحم قد تخلَّى عن وظيفتين حكوميتين من أجل تحقيق طموحه وما يصبو إليه, وكلاهما قد عمل في مجال المحاماة, ويشتركان في مقتهم للظلم والأخذ على عاتقهم نُصرة المظلومين ولو كلَّفهما ذلك نفسيهما, كما أنهما قد تعرضا لتهمة الإساءة للدين(تهمة الإلحاد بالنسبة لفولتير)و(تهمة الدفاع عن الزنادقة أو الملحدين بالنسبة للاحم), حيث نلاحظ أن الوتر الذي يعزف عليه هؤلاء المفلسين والمتطرفين في الماضي والحاضر هو الدين, لأنهم يعلمون أنه الطريق الوحيد والمضمون الذي يؤجِّج العامة والبسطاء ضد المفكرين.
وأخيراً نجد أن النظرة التفاؤلية هي الطابع العام الذي يميِّزهما, فيقول فولتير في ظل الظروف الصعبة التي كانت تحيط به: "إن هذا القرن بدأ يرى انتصار العقل" وتتكرر نفس الجملة بأسلوب آخر بقلم اللاحم: "إنه زمن التنوير, زمن طرد الأوهام التي رسَّخها الغلاة".