في سؤال غريب وجهه لي احد الاصدقاء القادمين من خارج العراق عن اسباب وجود المذيعة سهير القيسي في مؤتمر اعلان النصر بينما هنالك اشخاص غيرها يستحقون المكانة ؟ فسالته فورا ؛ وهل هذا هو الامر الوحيد الذي لفت انتباهك في المؤتمر ؟ قال نعم وهو اهم حدث فيه، وممكن ان ترى ماكُتب عنه في مواقع التواصل !

الغرابة في هذا السؤال، وما تضمنه من دلالات، انه يمثل جانبا مهما من الظواهر التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي بمنصاتها المختلفة، حيث يمكن للقطة بسيطة او كلمة عابرة او حركة جسدية عفوية ان تؤثر على حدث او مؤتمر كامل، بحيث يضيع النشاط ويتآكل لصالح حساب هذه اللقطة الهامشية، في معايير التقييم، لكنها، في حسابات العوالم الرقمية، جوهرية واساسية و تعد محددا من محددات الحدث .

في الاسبوع الماضي اختتمت فعاليات مؤتمر الإعلام الدولي الذي عُقد تحت شعار " بغداد تحتضن صحفيي العالم بانتصارات العراق ووحدته"، وتم في نفس الوقت اطلاق تسمية " دورة القدس" على اجتماع اتحاد الصحفيين العرب، وهي تظاهرة اعلامية كبيرة تزامنت مع الانتصار الساحق الذي حققه العراق ضد تنظيم داعش والذي تم تتويجه باعلان رئيس الوزراء الدكتور العبادي تحرير جميع الاراضي العراقية من سيطرة هذه التنظيم الذي اوغل في دماء العراقيين.

وبدلا من ان يتم تداول اخبار هذا الحضور الجيد للعراق من قبل العديد من الشخصيات السياسية والاعلامية، وتحليل دلالاته على تحسن الوضع الامني واستقراره في العراق بفعل الانتصارات العسكرية الباهرة ، اقول بدلا من ذلك اصبح صعود المذيعة العراقية سهير القيسي منصة المؤتمر الشغل الشاغل لناشطي مواقع التواصل الاجتماعي الذين كتبوا ، حول الموضوع، عشرات البوستات والتغريدات على منصتي الفيسبوك وتويتر.

وبسبب اهتماهي البحثي والمعرفي بما يجري في عوالم السوشيل ميديا ومتابعتي لطريقة تناول العراقيين على منصات التواصل الاجتماعي لهذ الحدث، وجدت نفسي ملزما بكتابة بعض النقاط التحليلية التي ترتبط بما حدث .

1/

القضية بعمومها قد اخذت حيزا اكبر من حجمها، واحدثت اصداء اعلامية على منصات التواصل الاجتماعي لاتتناسب مع الفعل في حد ذاته، لو تم النظر اليه بموضوعية.

 

2/

 تفاعلات ماتم اثارته من مواضيع على صلة بالقضية وما نتج عنها من نقاشات استحوذت على الاهتمام اكثر من المؤتمر نفسه!، وللقارئ ان يطلع على مواقع التواصل ليرى الموضوع وحجم الاهتمام به، والتي اراها احدى المفارقات التي تستدعي النظر والتأمل.

 

/3

 استخدم البعض القضية لتصفية حسابات شخصية وشن هجوم على السيد مؤيد اللامي او على النقابة كمؤسسة،وهي احد الاوجه غير المهنية للنقد.

 

/4

حاول البعض، لاسباب سياسية بحتة او جهل بطبيعة المؤتمر ، ان يُقحم رئيس الوزراء في الموضوع، علما ان المؤتمر من اعداد واشراف نقابة الصحفيين، وهي من تتحمل نتائج نجاحه او تبعات سلبياته.

 

/5

وباسلوب لايخلو من المكر ، استخدمت بعض الصحف، المقربة من قطر، هذه القضية من اجل مهاجمة السعودية بصورة غير مباشرة ، اذ اشارت احدى هذه الصحف الى الحملة التي شنها بعض الناشطين على سهير القيسي ، وتحدثت عن كلام المغردين حول القيسي واعتبرتها تميل للسعودية وتعمل في قناة سعودية !!!… ولك ان تقرأ التقرير وتعد كم مرة جاء ذكر السعودية في الخبر ، حينها ستتفهم سبب هذا الهجوم ، مع العلم ان نفس الصحيفة تتبنى عين الخطاب الذي ترى ان العراقيين ينتقدونه.

 

/6

صعود المذيعة سهير القيسي على المنصة قد خضع لمعايير تتعلق بشهرتها الاعلامية ومظهرها الخارجي ولم تتدخل العاطفة في الموضوع ، وقرار حضورها او اعتلائها المنصة من قبل اللامي لايخرج عن هذا المبدأ، فهي معروفة عربيا اكثر من بقية الاعلاميات، وهذا هو السبب الاساسي الذي جعل المُنظمين يدعونها للحضور واعتلاء المنصة.

 

/7

اختيار القيسي لهذه المهمة قد جرح مشاعر بعض العراقيين ممن يعتقدون ان القيسي لاتصلح لهذه المهمة بسبب موقف قناتها السلبي من الحشد الشعبي، سيمّا انها كانت مذيعة اخبار وكانت تقرأ الاخبار بصياغة محرري العربية الذي يصفون الحشد بالميليشيات والارهابيين بالثوار.

 

/8

 استخدم الكثير ممن قدموا اراءهم في الموضوع منهج المقارنة، حيث وضعوا القيسي في مقارنة مع اعلاميين واعلاميات عراقيات عملوا في الجبهات ووقفوا ضد داعش ميدانيا من خلال عملهم الاعلامي من جهة، كما قارنوها، من جهة ثانية، مع اعلاميات عرب ممن استقلن من العربية لاسباب قِيل انها تعود لسياسة القناة التحريرية والاعلامية ضد بلدانهن، وفي كل الحالتين فان القيسي، في نظر هؤلاء، تخسر في هذه المقارنة.

 

/9

فتحت القضية النقاش حول دور الاعلامي وحدوده في القناة الفضائية ومدى التزامه بمعايير وقواعد عمل القناة اذا كانت تعمل ضد بلد هذا الاعلامي،وقد اتفق جميع المنتقدين على ادانة الاعلامي الذي يُساير القناة ضد بلده.

 

/10

 الحقيقة لايمكن الحصول عليها من خلال تصريحات منتقدي القيسي فقط، بل هنالك جوانب اخرى للقضية قد لانراها حاليا، بل انني اعتقد ان " بعض" المنتقدين لو وضع في مكان القيسي وحصل على الامتيازات التي تحصل عليها في القناة الفضائية محل النقد لما اظهر موقفا مختلفا عنها.

 

/11

يجب عدم النظر للقيسي والحكم عليها ببساطة وبنظرة احادية الجانب، اذ للقيسي نشاطات تتعلق باللاجئين العراقيين، وقد زارت لأكثر من مرة هذه الاماكن وسلطت الضوء عليها من خلال زيارتها.

 

/12

بصراحة يجب ان نعذر أي عراقي يتخذ مواقف تجاه الاخرين بسبب حماسته وغيرته على وطنه، اذ انه واجه العديد من المشكلات وشهد الكثير من المآسي في سنوات الارهاب، لكن،بالرغم من ذلك، يجب ان نرفض ان تسبب هذه الحماسة الخلافات او تخلق صراعات نحن الان في غنى عنها.

 

 

/13

بعض الاعلاميين الحاضرين في المؤتمر كانت لديه مواقف سلبية من الحشد ، بل ربما عموم الحرب على داعش، ومع ذلك تم استقبالهم واستيعابهم ولم يتعرضوا لأي انتقاد حول ماكتبوه او ما طرحوه من وجهات نظر سابقا حول العراق بنفس مستوى انتقاد القيسي، مع ان هنالك فرقا كبيرا بين مذيع يقرأ نشرة اخبارية تُملى عليه وبين كاتب ينشر معلومات معينة من بنات افكاره.

 

14/

ما حدث هو اختبار حقيقي للتسامح والتعامل مع الآخر الذي نختلف معه بدرجة معينة ، فينبغي عدم اخذ القضية على نحو متشدد وتناولها من منطق التآمر واضاعة حقوق الشهداء. وعلى المنتصر ابداء التسامح مع الآخرين ممن يرى انهم اخطأوا بحقه، اذ كلما تسامى المنتصر عن السفاسف كلما ارتقى وتفوق واثبت انه يستحق الانتصار والزهو والكبرياء.

 

15/

 ومع كل ماذكرته أعلاه، كان على منظمي المؤتمر ان لايكتفوا بمقدمة برامج واحدة فقط، اذ كان بالإمكان ان يتناوب على المنصة اكثر من اعلامي وإعلامية ومن كافة الدول العربية مع تقديم العراقي او العراقية على الجميع لانهم اهل الأرض ومن شهدوا كل سنوات الملحمة العظيمة التي خرج منها العراقي مرفوع الراس.

 

 

باحث متخصص في مواقع التواصل الاجتماعي

 

https://twitter.com/alsemawee