وسط زحام الأحداث وتطوراتها المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، وقعت قطر مؤخراً عقدين لشراء الأسلحة أولهما مع بريطانيا بقيمة ستة مليارات جنيه إسترليني لشراء 24 مقاتلة من طراز "تايفون"، وقبلها بأسبوع فقط وقعت قطر عقودا بقيمة تتجاوز العشرة مليارات يورو خصصت معظمها لشراء 12 مقاتلة من طراز "رافال" الفرنسية، بالإضافة إلى خطاب نوايا ل شراء490 مركبة مدرعة من نكستر الفرنسية.

وفي نوفمبر الماضي، أعلنت الادارة الاميركية الاربعاء انها وافقت على صفقة تسليح جديدة لقطر بقيمة 1,1 مليار دولار وقبلها في يونيو كانت قطر قد وقعت مع الولايات المتحدة في منتصف عقد صفقة عسكرية لشراء طائرات مقاتلة من طراز إف 15 بقيمة 12 مليار دولار. وبعد ذلك بنحو شهرين تقريباً، أي في أغسطس الماضي قامت قطر بشراء 7 سفن تابعة للبحرية الإيطالية بقيمة 5 مليارات يورو أو ما يعادل 5.91 مليار دولار. وبعدها أبرمت صفقة أسلحة مع ألمانيا لشراء 62 دبابة من طراز "ليوبارد- 2" وعربات مدرعة، في صفقة تقدر بملياري يورو. كما تم الاتفاق على قيام تركيا بتوريد عربات مدرعة وطائرات من دون طيارة بقيمة نحو ملياري دولار، فضلاً عن صفقات ضخمة أخرى مع روسيا والصين!

 

هناك إذن اتفاقات وقعتها قطر لتوريد أسلحة بمبلغ يفوق الأربعين مليار دولار في أقل من عام، وهو مبلغ ضخم ولا يستهدف مطلقاً تسليح الجيش القطري، بل يركز على واستقطاب مواقف الدول الكبرى لمصلحة الموقف القطري في الأزمة مع الدول الأربعة الداعية لمكافحة الإرهاب!

المشكلة أن مجمل هذه الأسلحة والعتاد يفوق الاحتياجات والقدرات الاستيعابية للجيش القطري، والغريب أنها أسلحة هجومية في جزء كبير منها علماً بأن أحد أوجه قصور الجيش القطري تكمن في ضعف أنظمة الدفاع الجوي وعدم وجود أنظمة دفاع صاروخي!

من حق قطر وغيرها من الدول امتلاك ما تراه من أنظمة تسلح تقليدية طالما أن هذه الصفقات تجري في الإطار الشرعي القانوني، ولكن الواضح أن فلسفة هذه الصفقات لا تكمن في تلبية احتياجات الأمن والدفاع بل هي استجابات انفعالية للأزمة السياسية الحاصلة، وتمت في معظمها من دون تخطيط استراتيجي دقيق، لأنه ليس من السهل على أي جيش في العالم استيعاب مختلف التقنيات العسكرية وإحداث التوافق بينها ضمن منظومة دفاعية واحدة، لاسيما إذا كان تعداد هذا الجيش محدود من الأساس.

تدرك قطر أن تعرضها لعمل عسكري من جانب الدول الأربعة المقاطعة لها مسألة مستبعدة وغير واردة سواء في ظل التأكيدات الصادرة عن مسؤولي وقادة الدول الأربعة أو في ضوء المعطيات الاستراتيجية الإقليمية والدولية الراهنة التي تجعل من الصعب توقع القيام بمثل هذه العملية ضد قطر؛ فالدول الأربع أكدت على لسان أكثر من مسؤول أنه ليس من الوارد شن عمل عسكري ضد قطر، واتهموا الدوحة بأنها تروج لأكاذيب وافتراءات لاستدرار العطف الدولي، ولكن قطر تسعى إلى شراء المواقف أملاً في انتزاع ما تعتبره انتصار سياسي في هذا الأزمة.

هذا الانفاق الهائل في مجال التسلح يخرج أيضاً عن حسابات المنطق والعقلانية السياسية، فالميزانية القطرية التي تواجه ضغوطاً كبيرة جراء نزيف الخسائر المتواصل منذ شهر يونيو الماضي، يصعب عليها تلبية هذا الانفاق العسكري الضخم، وبالتالي فإن السح من الأرصدة والاحتياطات هو الخيار المتاح بغض النظر عن حسابات التكلفة والعائد، فالمهم هو الدفاع عن سياسات النظام وتوجهاته مهماً كانت التكلفة بالنسبة للأجيال المقبلة في قطر.

رغم كل هذه الخسائر، فلا اعتقد أن القيادة القطرية في وارد التراجع عن عنادها وكبرها بعد كل ما خسرته من مليارات ، ولكن استمرار هذا العناد يمثل كارثة على الاقتصاد القطري بكل المقاييس، لأن القيادة استنفذت بالفعل كل خياراتها في جلب التأييد والدعم لموقفها في مواجهة موقف الدول الأربعة المقاطعة، وكان لزاماً عليهاً أن تقتنع منذ البداية بحسابات المنطق والعقل، وأن تدرك أن الصعب عليها التغلب على الدور الأربع سياسياً، وأن الرهان على عامل الوقت ليس في مصلحة قطر بأي شكل، بل إن هذا الرهان لو استمر فسيكون وبالاً عليها و مأزق يصعب الخروج منه لاقتصادها