منذ توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية في 31 مارس 2009م، بقي "بنيامين نتنياهو" يتحدى الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" في جهوده لإحلال السلام في الشرق الاوسط القائم على حل الدولتين والقرارات الدولية (181، 242 و338) ذات الشأن وخريطة الطريق. وعمل "نتنياهو" بكل ما أوتي من قوة، مدعوما من قوى اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة وخصوصا "إيباك"، على تفريغ مبادرات "أوباما" من مضامينها عبر استغلال الظروف السياسية والاقتصادية في الداخل الأمريكي، والملفات الخارجية الساخنة التي ورثتها إدارة "أوباما" من إدارة سلفه "جورج بوش الابن" وعلى رأسها الحرب في أفغانستان والملف النووي الإيراني.

وها هو، أي "نتنياهو" وحلفاءه من الأحزاب اليمينة المتطرفة الذين لا يؤمنون ولا يسعون الى تحقيق السلام العادل الذي يؤدي الى قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل الخامس من يونيو عام 1967م، يعززون موقفهم بوصول "دونالد ترامب" (الذي وعد خلال حملته الانتخابية بنقل سفارة بلاده الى القدس) الى رئاسة الولايات المتحدة.

إن جُل اهتمام "نتنياهو" وحلفاءه هو إدارة هذا الصراع لأطول فترة ممكنة بدلا من العمل على حله نهائيا طبقا للقرارات الدولية، واقصى ما يقبلون به (في حالة ممارسة ضغوط قوية عليهم من قبل الولايات المتحدة والقوى العالمية الكبرى الأخرى) هو قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، لا تقيم تحالفات عسكرية مع احد، وتكون حدودها البرية والبحرية والجوية مفتوحة ومستباحة لإسرائيل، على ما يعادل 23% فقط من فلسطين التاريخية، مقابل اعتراف الفلسطينيينبيهودية إسرائيل وعاصمتها القدس الموحدة، وعدم المطالبة بعودةلاجئي عام 1948م الى ديارهم في فلسطين، والتطبيع الكامل مع الدول العربية. 

ومن يرغب ان يتأكد من صحة هذا القول، فعليه ان يقرأ كتاب "فلسطين: السلام لا الفصل العنصري" للرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر"، وكذلك كتاب "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الامريكية" للمفكرين والأكاديميين الأمريكيين "جون ميرشيمر" و "ستيفن والت".

وهذا هو (في اعتقادي الشخصي) ما يصبو اليه "ترامب" حين قال في اجتماعه الأخير مع "نتنياهو" انه لن يفرض حلا على الطرفين، بل سيدعم ما يتفق عليه الطرفين عبر المفاوضات المباشرة بينهما، لعلمه المسبق بضعف موقف الفلسطينيين بسبب انقسامهم وتشرذمهم، وتخلي الدول العربية عن القضية الفلسطينية وانشغالهم بشؤون بلدانهم الداخلية منذ انتفاضات الربيع العربي أواخر العام 2010م وأوائل العالم 2011م وحتى وقتنا الحاضر. 

بعد الاجتماع بين الرئيس الأمريكي "ترامب" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو"، كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية النقابعن الاجتماع السري الذي عقد في مدينة العقبة الأردنية في 21 فبراير 2016م بمشاركة الملك عبد الله الثاني، والرئيس عبد الفتاح السيسي، ونتنياهو، ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري، لبحث عملية السلام، استعرض خلالها الوزير الأمريكي خطة إقليمية للسلام مع الدول العربية والفلسطينيين على أساس قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967م، بشرط ان يعترف الفلسطينيينوالدول العربية بإسرائيل "كدولة يهودية". لم يعط "نتنياهو" الفرصة للوزير الأمريكي لتسويق رؤيته هذه، حيث قابل تلك المقترحات مباشرة برد سلبي بذريعة عدم قدرته على الحصول على تأييد ودعم كاف داخل ائتلافه الحكومي لهذه المقترحات.

ما يثير التساؤل حول هذا الاجتماع السري هو: لماذا يتفاوض الأردنيين والمصريين مع الإسرائيليين في غياب – وبدون علم –أصحاب القضية الأصليين وهم الفلسطينيون؟ هل لدى هاتين الدولتين تفويض رسمي من الفلسطينيين بذلك؟ أم ان هذا الاجتماع له علاقة وارتباط بما أشيع مؤخرا عبر وسائل الاعلام ان هناك طرحا لتوطين الفلسطينيين في شبه جزيرة سيناء كجزء من الحلول التي تناقش حول حل الصراع العربي – الإسرائيلي.

في الحقيقة، لا يوجد على الأرض ما يجبر "نتنياهو" على القبول بحل القضية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال، بل هو يريد إنهاء القضية وتصفيتها تماما. ولتحقيق ذلك، هو يراهن على عامل الوقت لسببين: الأول، لا يبدو في المنظور القريب او المتوسط أن قطبي الصراع الفلسطيني – الفلسطيني (أي حركتي فتح وحماس) في وارد الوصول الى المصالحة الوطنية رغم النكبات التي حلت بالشعب الفلسطيني منذ انقلاب غزة في 14 يونيو 2007م والى يومنا هذا. والثاني، اعتقاده - وربما قناعته الشخصية – ان هناك قادة دول عربية لا يستهان بهم لم يعودوا (منذ عمت الفوضى العالم العربي) يرون في إسرائيل عدوا لهم، بل ربما حليفا لهم ضد بعض الدول الإقليمية غير العربية، ولهم ارتباطات امنية واستشارية مع الدولة العبرية.

وصلت الجرأة (بل الوقاحة) بـ "نتنياهو" ان طالب مؤخرا الحكومة الأمريكية بالموافقة على ضم هضبة الجولان السورية الى إسرائيل بحكم الواقع، حيث انها تحت الاحتلال الصهيوني منذ حرب العام 1967م.

آخر الكلام: لم يعد الاعلام العربي الرسمي يشير الى احتلال فلسطين على انه صراع "عربي – إسرائيلي"، بل تم استبداله بمصطلح الصراع "الفلسطيني – الإسرائيلي".​