بماذا يُمكن تسمية شهري ابريل ومايو من العام 2017 بعد ما شملته من قرارات لم تكن وليدة لحظة التفكير؟ فهذا قرار تجميد الرواتب وتلك قرارات وقف تمويل "الانقسام" وبعدها لقاءات في "الولايات المتحدة" شاركت في التحضير لها كل أذرع القيادة الفلسطينية ليُكسر مؤخرًا العلاقة البروتوكولية مع أنقرة بلقاء رئيس وزراء فلسطين مع الرئيس التركي المُنتشي بالاستفتاء الأخير. اللقاء الذي جاء على هامش مؤتمر دعم المقدسات الإسلامية لم يكن سوى حلقة من حلقات إعادة ترتيب أوراق القيادة الفلسطينية التي اتخذت القرار بالضغط لإنهاء الانقسام لا لاسقاط فصيل أو إنهائه بل للضغط عليه لجرّه لحضن الوطن. إن كُنا من فصيل المُتفائلين فسنطلق على هذه المرحلة مرحلة انهاء الانقسام الذي باتت ساعاته قصيرة. 

دعم تركيا لخزينة الحكومة الفلسطينية بمبلغ 10 ملايين دولار لأول مرة منذ سنوات طويلة جاءت بعد تناغم كامل وعملي أصبح واضحًا بين الرئيس المؤمن برئيس وزرائه , فالاتصال الأول الذي تلقاه "أردوغان" بعد نجاح الاستفتاء مؤخرًا كان من الرئيس أبو مازن واللقاء الذي جرى بين رئيس الوزراء والرئيس التركي تميّز بكونه جاء في الوقت "الحاسم" فالاجراءات ضد الانقسام مستمرة والعمل على منع تشكل دولة داخل دولة والاثنتين مُحتلتين لا زال في بدايته.

عندما نقرأ الخارطة السياسية التي بدأت تتشكل من جديد يُمكن القول أنّ رئيس الوزراء المؤمن بقدسية إنهاء الانقسام بات محور حل بتوافق كل الأطراف. 

ولا أذيع سرًا لو قلت بناء على تجارب شخصية أنّ رئيس الوزراء يعشق غزة بمكوناتها وما فيها و "طلّة البحر" التي عاش لحظاتها لن ينساها يومًا.

في الجانب ذاته يُمكن القول إن ما تحقق في زيارة الرئيس للولايات المتحدة يُمكن البناء عليه , ورغم ما شاب إعلان حماس عن وثيقتها في الوقت (الحرام) إلا أنّه وباعتقادي يُمكن البناء على ذلك، لكن ليتحقق فلا بُدّ من إبعاد شرذمة تعمل ليل نهار على التأجيج والتسخين.. منظمة التحرير مُطالبة بمد حبل نجاة في أول فرصة تلوح بالأفق بعد اقتناع حماس بمنهاجها السياسي.

هنية مسؤولًا لحماس:

في خضم كل تلك النقلات وما سيليها بعد زيارة (رئيس الوزراء لتركيا) و (الرئيس لروسيا) انتخبت حماس اسماعيل هنية رئيسًا لمكتبها السياسي وهو الرجل الذي لا زال يتمتع بوسطية القرار ويُمكن القول إنّه قد يستطيع تفكيك الحالة المُتشابكة في قطاع غزة لصالح تجنيب المواطنين المزيد من الضغط واستشراف الخارطة السياسية التي تتشكل. ما يضع هنية في هذه الخانة هو استشرافه لضرورة التحاق حركته بالانتخابات فقد ترشّح في انتخابات الـ96 وانسحب بعد بيانات صدرت ضده لكنه استمرّ حتى صار رئيسًا لحركته التي هاجتمه وقتها.. فهل يفعلها هنية لكن دون رضوخ لبيانات أو ضغوطات متوقعة؟

في هذا الحديث المُرسل لا يُمكن اغفال "نهاية" اجراءات السلطة لحصار "الانقسام" , فإن لم تكن النهايات المتوقعة إيجابية فلا داعي لكل تلك الاجراءات. هذه الإجراءات التي أكدّ وكيل مالية "غزة" أن القرار الأول فيها وهو تجميد علاوات موظفي السلطة أثرّت بشكل كبير على الضرائب التي تجبيها "ماليته" والتي على أساسها تقوم بتوزيع رواتب موظفيها , كما أنّ خبراء اقتصاد قدّروا انخفاض عمليات الاستيراد عبر كرم أبو سالم بنسبة لا تقل عن 80 % وهي أيضًا منفذ مهم لجمع الضرائب في غزة , عدا عن إمكانية قطع توريد الكهرباء لغزة عبر الخطوط الإسرائيلية وغيرها من القرارات التي يُعلن الرئيس أنه سيتخذها لهدف حصار الانقسام.

هذه الاجراءات تحتاج لنهاية واضحة ومتوقعة ويجب أن لا تتجاوز فكرة (إجبار) حماس على العودة عن نظرية حرق الوقت التي استخدمتها منذ سنوات الانقسام الاولى.

كيف يُمكن حل مشكلة غزة؟

الموظفون اللذين قامت حماس بتعيينهم بعد 2007 هم المشكلة الأكبر في مباحثات الحركتين المستمرة منذ البدايات – والأكبر من هذه المشكلة هي تخوّف البعض من "الأمن والسلاح" , نُعيد التذكير هنا بما تم طرحه أكثر من مرة بضرورة أن تُحدد حماس وجهتها فإن أرادت الحكومة والسلطة كاملة فهي ستكون في موقف لا تُحسد عليه داخليًا والأكثر تعقيدًا دوليًا. أما إن أرادت "السلطة" مع الحفاظ على سلاح المقاومة وهذا باعتقادي هو ما تريده حماس لكنها تتعامل بـ"شيرزوفرينيا" واضحة فلديها حل ماثل أمامنا جميعًا وهي تجربة حزب الله الذي لم نسمع يومًا أنه فكّر بتغيير وثيقته أو هوجم داخليًا بسبب أزمة مالية أو اغلاق معبر او مطار ! , أما موظفيها فلو كانت حماس تُفكر بنصف براغماتية وثيقتها المُعلنة (داخليًا) لاقتنصت مبادرة الحمدلله ابان زيارته لغزة ووافقت عليها وكُنا اليوم قد انتهينا من كل توابع الانقسام.. لكن (لو) تفتح دومًا عمل الشيطان.

لا زال في الكتاب صفحات يُمكننا استغلالها ولا زالت بعض المبادرات جاهزة للتنفيذ فور الوصول لقناعة أنّ أسلوب إدارة الحُكم مُختلف تمامًا عمّا صورته بعض حلقات الغرور , ولا يُمكن البدء بتطبيق أي شيء إلا بعد الوصول لقناعة جامعة وشاملة بأنّ القرارات الحاسمة مطلوبة في الأوقات المصيرية.. 

النهاية لن تكون فصل غزة كما يعتقد ويُروّج بل ويتمنى البعض.. لكن التشابكات والتشكيل الجديد سيُفضي إلى القناعة التي كان يجب أن تكون.. لا دولة في غزة ولا دولة دونها.

الانتخابات المحلية في الضفة 

ساعات قليلة تفصلنا عن بدء الانتخابات المحلية في الضفة , رغم محاولات تكدير الصورة العامة لاجراء الانتخابات في الوقت الذي يخوض أسرى الحرية اضرابهم المفتوح عن الطعام إلاّ أنّ هذه الصورة التكاملية هي صورة فلسطين الحقيقية , فمن جهة لم تنس مقاومة المُحتل وعلى التوازي كانت تُجدد هيئاتها المحلية وهي المؤمنة بالديمقراطية وممارستها.

أحد الصحفيين على التواصل الاجتماعي طالب الكتل الانتخابية المرشحة للانتخابات البلدية بالضفة بوقف بث اعلاناتها على فيسبوك لمشتركي قطاع غزة ليس اعتراضًا بقدر ما هي سخرية من الواقع الذي لم يُمارس فيه جيل كامل في قطاع غزة تجربته الديمقراطية حتى لو في جامعته. وبالحديث عن الجامعات فها هي النجاح تمكنّت من عقد انتخاباتها الشهر المنصرم و بيرزيت تلحق بها وتعقدها بمشاركة كل الفرقاء.

ولا يوجد ابلغ من نتائج انتخابات بيرزيت للتأكيد على أنّ فتح تؤكد على إيمانها الكامل بالديمقراطية حتى لو كانت على حساب (فوز غريمها) في العاصمة السياسية , هذه الشفافية المُطلقة التي سادت في بيرزيت وقبلها في النجاح والبولتكنك وبيت لحم وغيرها يجب أن يكون إشارة مهمة لإمكانية إجراء الانتخابات بكل أريحية وسهولة والوصول إلى تجديد للشرعيات دون أي تلكؤ أو تأخير.

لقد أثبتت الحكومة بقرارها عقد الانتخابات المحلية رغم ما واجهته من اعتراضات ومحاولات التشكيك بالاصرار على توقيت عقدها أنها لا تُجامل طرفًا في سبيل إعطاء المواطن حقه في التعبير واختيار ممثليه , ومن هنا يُمكن القول إن دعوات عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية ليست (دعائية) بل هي قرار استراتيجي تعمل القيادة الفلسطينية على الوصول له لتجديد كل الشرعيات.