تحتضن الرياض، خلال يومي السبت والأحد من هذا الأسبوع، حدثا استثنائيا، عبر القمم الثلاث التي دعيت لها دول الخليج والدول الإسلامية، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قرر أن تكون المملكة العربية السعودية وجهته الأولى خارج الولايات المتحدة.

وفي تقديرنا أن هذه الخطوة من طرف الرئيس الأمريكي لها دلالة رمزية بالغة الأهمية، إذا ما عرفنا انه ستعقبها مباشرة زيارة إلى: إسرائيل، ثم الفاتيكان، مما يدل على اهتمام واضح بقضية وطبيعة الصراع في هذه المنطقة، لاسيما وأنها تحتضن الأديان التوحيدية الثلاثة.

وفيما تبدو فعاليات هذه القمم الثلاث، رهانا جديدا في سياق تحولات السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ستكون القمة الأولى بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز،والرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما ستكون القمة بين كل من الرئيس الأمريكي ترامب وقادة دول مجلس التعاون الخليجي، أما القمة الثالثة فستضم قادة الدول الإسلامية والرئيس الأمريكي.

وبطبيعة الحال فأن محتوى فعاليات هذه القمم ستعكس العنوان الأبرز لما ستتشكف عنه لاحقا من نتائج ومخرجات، أصبحت منطقة الشرق الأوسط في أمس الحاجة إليها في ظل الأزمات المتلاحقة التي تتعرض لها.

إيران هي أحد العناوين البارزة في مداولات هذه القمم الثلاث، لاسيما في ضوء المشكلات والمآزق التي تسببت فيها إيران في المنطقة، حيث يبدو لكثير من المراقبين أن ثمة قاسما مشتركا بين سياسات إيران في المنطقة، وبين الأزمات التي تخلفها تلك السياسات الإيرانية على أكثر من بلد عربي.

كما ستحتل قضية الإرهاب والبحث عن سبل تفعيل استراتيجيات أمنية مشتركة بين دول العالم الإسلامي والولايات المتحدة لمكافحة تلك الافة العالمية وتجفيف منابعها في منطقة الشرق الأوسط جزءا كبيرا من أجندة القمم الثلاث، لاسيما عبر تجديد استراتيجيات عسكرية وأمنية فعالة في الحرب التي تشنها منظومة التحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة، بعد التقدم الكبير الذي حققته قوات الجيش العراقي ضد داعش في الموصل، بالعراق، وقوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد في سوريا.

لقد أصبح الوضع اليوم في الشرق الأوسط كارثيا، وينذر بتداعيات أمنية خطيرة مالم يتم احتواء أجندة إيران في المنطقة، وتجديد العزم على حل الأزمات وعلى رأسها الأزمة السورية، والوضع في اليمن.

كذلك، يأتي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى هذه القمة لتعزيز شراكات اقتصادية وأمنية جديدة مع المملكة العربية السعودية والعديد من الدول الخليجية، وليؤكد أهمية وعلاقة التحالف التاريخي بين دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية.

وفي تقديرنا أن هذه الزيارة، من خلال القمم الثلاث التي سيعقدها ترامب مع قادة الدول الخليجية والإسلامية، ستسفر عن تحديد سياسات صارمة ضد إيران، ومراجعة للكثير من السياسات الأمريكية السابقة في عهد أوباما، وهو ما أكد عليه ترامب حين صرح، أكثر من مرة، عن نية الإدارة الأمريكية الجديدة تحت قيادته في إعادة تقويم الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما مع إيران.

لطالما ظلت منطقة الشرق الأوسط، باستمرار، منطقة ساخنة بالصراعات ابتداء من الصراع العربي الإسرائيلي، ومرورا بالأزمات الأمنية والسياسية التي خلفها ما سمي بالربيع العربي في أكثر من دولة عربية، وانتهاء بالتدخلات الإيرانية وفوضى الإرهاب الذي لايزال ناشطا بقوة، رغم علامات الانهيار الوشيك لكيان داعش في الرقة والموصل.

ورغم الاختلاف الواضح جليا بين استراتيجيتي كل من أوباما، وترامب حيال التدخل في قضايا المنطقة، فإن إصرار الإدارة الأمريكية الجديدة على إعادة الهيبة لسياسات الولايات المتحدة في العالم يعكس بوضوح ملامح التحولات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط والعالم.

ربما كانت الضغوط الداخلية الكثيرة التي تتعرض لها إدارة ترامب من طرف الإعلام الأمريكي والمؤسسات السياسية الأمريكية بخلاف البيت الأبيض هي التحدي الأكبر إزاء إنجاح سياسات ترامب الخارجية.

في كل الأحوال، أثبت الحزب الجمهوري أنه الأكثر قدرة وكفاءة على أدارة ملف السياسة الخارجية من الحزب الديمقراطي، مما سيعني أن المفاجآت والتداعيات المحتملة لسيناريو بقاء ترامب أو رحيله عن البيت الأبيض، لا تعكس الضرورة تغييرا جذريا في السياسة الخارجية للحزب الجمهوري، ولاسيما حيال قضايا الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
\