بعد اجتماع حزبي للاحزاب الكردستانية عدا حركة التغيير والجماعة الاسلامية، وبمرسوم رئاسي مليء بالاخطاء الادارية الفنية والنقص بتفاصيل التسلسل المرجعي للصلاحيات المخولة والاسباب الموجبة الكردستانية والعراقيةوالأممية لصدور القرار، أصدر الرئيس المنتهية ولايته للاقليم المرسوم المرقم (106) في 8\6\2017 المتضمن قرار اجراء الاستفتاء بتاريخ 25\9\2017، ‏وتنفيذه من قبل المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات لممارسة حق تقريرالمصير لشعب كردستان، وحدد إجراء الإستفتاء في الإقليم والمناطق الكردستانية خارج إدارته، وحسب رد توضيحي ان العملية تتضمن الجواب على سؤال واحد هو: هل توافق على إستقلال الإقليم والمناطق الكردية خارج إدارة الإقليم وإنشاء دولة مستقلة؟ والجواب بنعم او لا، و‏تم تكليف المفوضية العليا للإنتخابات بالعمل من أجل تهيئة الظروف لمشاركة الجاليات الكردستانية المقيمة خارج الإقليم في عملية الإستفتاء.

واستنادا الى الاصداء الاقليمية والدولية حول القرار، فقد استقبل بالرفض من قبل رئيس الوزراء حيدر عبادي مبررا ان الدستور لا يسمح بانفصال الاقليم عن العراق وان الامر بيد جميع العراقيين وليس فقط الكرد، كما استقبل القرار برفض شديد من قبل تركيا التي تتعقب الاصوات الحرة للكرد حتى وان كانت في امريكا الجنوبية فكيف باقامة دولة كردية على حدودها الجنوبية، والمانيا حذرت من استفتاء الاقليم، بينما الولايات المتحدة تحفظت على القرار ولكنها اكدت بنفس الوقت على أهمية الحفاظ على وحدة العراق.

وبالرغم من عدم تعرض الاقليم الى تعارض شديد بهذا الشأن، لكن المثير للغرابة هي المبررات التي تطرحها الاطراف المحسوبة على البرزاني وحزبه بشأن الاستفتاء، فقد ذكر احد اعضاء الوفد الكردي في بغداد قبل فترة ان الاستفتاء ليست للانفصال وانما مجرد استطلاع لمعرفة رأي مواطني الاقليم، وبعد صدور القرار صرح عضو في المكتب السياسي لحزب حاكم ان الاستفتاء ليست للاستقلال وانما للتفاوض مع الحكومة الاتحادية في بغداد حول المشاكل العالقة بين الطرفين، وهذا في جانب بينما في الجانب الاخر تستحدم اعلام السلطة في داخل الاقليم اعلاما مضللا وهو ان الاستفتاء للانفصال والاستقلال، ومن خلال هذه المتابعة الصغيرة للمواقف والتصريحات المتناقضة حول الاستفتاء يتبين ان الموقف قد اختلط الحابل بالنابل وهذا بيان لاضطراب الامور وليس للصواب وعدم الالمام بماهية المسألة وما هو الغرض السياسي الحقيقي من العملية.

والأكثر غرابة ان مرسوم قرار الاستفتاء يأتي في ظل رئاسة وسلطة غير قانونية، وفي ظل برلمان شرعي مشلول ومغتصب عن العمل بأمر لاشرعي بتاتا، وفي ظل اوضاع متأزمة يمر بها الاقليم منها أزمة الرئاسة والاعتداء على برلمانكردستان وتعطيله بأمر شخصي حزبي، وفي ظل أزمات اقتصادية ومالية ومعيشية وحياتية، وأزمات اخرى متعلقة بالفساد ونهب النفط والغاز والموارد والثروات والممتلكات العامة، وازمة تسلط عوائل حاكمة ومافيات عائدة لها وللاحزاب والمسؤولين نافذة ومتحكمة بكل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية بالاقليم.

وللتذكير اننا في مقالات سابقة قد اكدنا ان القيادة الكردية السياسية قد اضاعت فرصتين تاريخيتين لاستقلال اقليم كردستان، الاولى في فترة انتفاضة أذار واحد وتسعين الشعبية ضد نظام البعث البائد، والثانية في فترة سقوط نظام البعث وقد علق معمر القذافي الرئيس الليبي السابق بمقال حول هذا الامر بعنوان "خرج الكرد من المولد بلا حمص"، لان الفرصة كانت متاحة والأرضية كانت متوفرة ومنظومة مجتمعات الدول الديمقراطية كانت مستعدة لفبول امر واقع الدولة الكردية، وللتاريخ نقول ان الاجيال الحاضرة تقع عليها مهمة وطنية وتاريخية وقومية وهي محاكمة القيادة الكردية الحالية بسبب مسؤوليتها الكاملة في ضياع الفرصتين.

ولغرض تسليط الضوء والقراءة الموضوعية بحيادية ومهنية ومسؤولية على القرار الكردي باجراء الاستفتاء، هنا لابد ان نبين مكامن الخلل لهذا الامر الحيوي المصيري للشعب الكردستاني في الاقليم، وهي كالاتي:

أولا: ابعاد برلمان كردستان وهو الممثل الشرعي لشعب الاقليم من مرجعية القرار، واسناد صدور قرار الاستفتاء الى مرسوم غير قانوني صادر من رئيس منتهية ولايته حسب احكام القانون، وهذا يعني مرجعية القرار ضعيفة ولا تتستند الى أرضية قانونية صلبة.

ثانيا: مناقشة وتناول أمر الاستفتاء والاستقلال كقضية مصيرية من قبل أطراف حزبية وشخصية لا تتمتع بتخويل شرعي من الشعب.

ثالثا: بسبب فقدان الشرغية البرلمانية لقرار الاستفتاء بمقدور المحكمة الفيدرالية ومجلس النواب الطعن في القرار واعلان عدم شرعيته.

رابعاد: استغلال الظروف لخلق مشكلة كردستانية وعراقية واقليمية جدديدة بعنوان قرار الاستفتاء، وذلك للتغطية على الحرج السياسي الذي تعاني منه الرئاسة بسبب الولاية غير القانونية، وللتغطية على الأزمات المستعصية التي يعاني منها الاقليم، وللتغطية على قصور ومسؤولية السلطة وعدم اهتمامهاوسحقها لحقوق المواطنين، وللتغطية المتقصدة على ملفات النفط النفط والغاز والطاقة، وللتغطية المتعمدة على الملفات الرهيبة للفساد الفرعوني والنهب القاروني للثروات والموارد والممتلكات العامة.

خامسا: اقتفاء التمجيد الشخصي لاغراض سياسية ودنيوية غير متسمة بالمسؤولية والوطنية الكردية لتبني قضية الاستفتاء على مستوى شخصي وابعادها بتعمد شديد عن الرؤى السياسية والتحليلية الحقيقية وعن المراجع الاصيلة والشرعية لدراسة القضية من مجمل جوانبها.

سادسا: صدور مرسوم متسم بالقصور وباخطاء ادارية وفنية وخالية من الديباجة الاستفتاحية والتسلسل المرجعي للصلاحيات المخولة وغياب الاسترشاد بالفقرات القانونية في اللوائح والمواثيق الدولية الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بحق تقرير المصير والاستفتاء واستقلال الشعوب، وغياب الاستعانة بمضامين دستورية في الدستور العراقي الدائم.

هذا قيما يخص تحديد مكامن الخلل، اما فيما يخص تحديد مكامن الايجاب، ومن باب القراءة الموضوعية للقرار الكردي باجراء الاستفتاء ولاحداث المنطقة وخاصة المتعلقة منها بالقضايا الكردية في منطقة الشرق الاوسط، نبينهاكالاتي:

أولا: استغلال الظرف السياسي والعسكري والأمني للولايات المتحدة في روزافا والذي يقرأ منه تشكيل اقليم او كيان كردي عاجلا أو آجلا وان لم يكن بمستوى انشاء دولة، ولكنه في كل الاحوال ستكون قاعدة نفوذ امريكية فعالة لادارة المنطقة على المدين القريب والبعيد.

ثانيا: تقارب المصلحة الامريكية والكردية في احتمالية تشكيل كيان سياسي يجمع بين اقليم كردستان العراق وروزافا لتوفر المقومات الاقتصادية والمنابع المرتبطة بالنفط والطاقة، والاهمية العسكرية للقدرات القتالية لقوات البيشمركة والشرفان والكاريللا الكردية في ساحات المعارك وخاصة خلال تصديهم ومحاربتهم البطولية ضد مسلحي تنظيم داعش الارهابي.

ثالثا: تزامن المصلحة الامريكية والاوربية بابعاد الدولة التركية من دائرة مصالحهما الاستراتيجية بسبب العنجهية والغطرسة الاردوغانية وبسبب تنامي القوة الاسلامية الاخوانية في القرار السياسي والعسكري التركي وتأثيراتها الارهابية والعنفية والسلبية على دول حلف ناتو ودول الاتحاد الاوربي ودول النادي المسيحي، واستخدام الورقة الكردية بتمهل لازاحة الدور التركي.

هذا باختصار اهم ما يسجل من ملاحظات سلبية وايجابية على قرار الاستفتاء الصادر من اقليم كردستان، ونأمل الاستفادة منها لتطعيم القرار بالشرعية الحقيقية المطلوبة، ولكن لغرض اغناء قضية الاستفتاء وحق تقرير المصير والاستقلال، نورد الضرورات التالية:

أولا: ان كانت النيات جدية للسيد البرزاني وللقيادة الكردية لابد من تحديد سقف زمني لاعلان الاستقلال استنادا الى نتائج الاستفتاء وقبل تاريخ 25\9\2017 بشهر او شهرين.

ثانيا: اشراك الحكومة الاتحادية في بغداد في قضية تحديد حق تقرير مصير الشعب الكردي في العراق وفق الية واتفاقية استراتيجية تخدم الشعبين وتضمن مصالحهما المشتركة، وقد سبق ان طرحنا "مشروع ميثاق عراقي لرعاية الدولة الكردية" من خلال هذا المنبر كبادرة سياسية للاستناد اليها في هذا الشأن.

ثالثا: اخراج البودقة الكردية من تسلط واستبداد الشرنقة الشخصية والعائلية والحزبية، والاهتمام الجاد تقديم نماذج وطنية حقيقية لقيادة الشعب الكردي في الحاضر والممستقبل، واجراء عملية كوي قاصمة للرأسمالية الجشعية المافوية الكردية التي بنيت على حساب قوت المواطنين وعلى اساس نهب الثروات والاموال والثروات والممتلكات العامة.

وفي الختام، لابد ان نستعين بالمثل العراقي القائل "الجار قبل الدار" وعلى ما اعتقد نحن كرد الاقليم وان لم يتفق معي الجميع لم نجد من الجبل والعراقيين كشعب وليس كنظام حكم خير صديقين، فنأمل كل الخير للجارين حاضرا ومستقبلا لاسيما وانهما من اكرم شعوب المنطقة، والله من وراء القصد.

(*) كاتب صحافي ورئيس تحرير "مجلة بغداد" سابقا