في المقال السابق تحدثت عن" اللاءات" الثلاث التي أشهرتها الإدارة الأمريكية بوجه وفد مسعود بارزاني أثناء زيارته الأخيرة الى واشنطن وهي" لا للإستفتاء.. لا للإنفصال.. لا للإستقبال". ويبدو أن الإدارة جرت أذن نجل بارزاني في تلك الزيارة ونصحته بالعودة الى العراق والتفاهم مع حكومتها المركزية،بدل المضي في سياسة مخادعة الشعب بشعارات زائفة أكل الدهر عليها وشرب حتى الثمالة.
لذلك قبل أن يعود مسرور بارزاني الى منزله ليطمئن على أولاده، ذهب مسرعا الى بغداد لتقديم مراسيم الولاء والطاعة لرئيس الوزراء حيدر العبادي.وبالامس خرج نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة الإقليم المنهارة بتصريح في مؤتمر صحفي يقول فيه"أن أولى اولويات حكومته هي الإتفاق مع الحكومة المركزية ببغداد لحل المشاكل العالقة"!!!.
منذ أن قطعت بغداد ميزانية إقليم كردستان قبل ثلاث سنوات ردا على سياسة النفط المستقلة لحكومة الإقليم وتهريب النفط الكردي الى تركيا والإمتناع عن تسليم إيراداته الى خزينة الدولة،صحنا وصرخنا نحن الكتاب والمثقفين والبرلمانيين وأطياف المجتمع الأخرى حتى تمزقت أوتارنا الصوتية طالبين بالتفاهم مع بغداد وحل مشكلة الملف النفطي لأننا كنا نتوقع حدوث الكارثة التي حلت بنا من سرقة ثروتنا النفطية وتوريط الإقليم في ديون تفوق 30 مليار دولار لشركات أجنبية، فنحن كنا على يقين بأن إيرادات النفط الكردي سوف تنهب وتوزع بالمناصفة بين عائلة بارزاني وعائلة رجب أردوغان، وأن الشعب الكردي لن يجني من تلك السياسة النفطية الفاشلة غير الخيبة والخسران،حتى بات شعبنا يترحم على أيام صدام حسين..وكان رد فعل حزب بارزاني بطباليه وزماريه هو وصفنا نحن الكتاب والمثقفين بأكراد المالكي وخونة الوطن وعملاء طهران!.
اليوم يرزح الإقليم تحت وطأة ديون تقدر بـ30 مليار دولار، وهناك دعاوى أخرى من شركة داناغاز الإماراتية تطالب بتعويض ما يقرب من 26 مليار دولار ما يعني بأن إقتصاد الإقليم لن تقوم له قائمة إلا بعد خمسين عاما. أضف الى ذلك الأزمة السياسية التي خلفتها سياسة النفط الفاشلة، حيث بسببها تعطل البرلمان وأصبحت الحكومة في منأى عن المحاسبة والرقابة البرلمانية،وفشلت الحكومة في توفير أبسط مستلزمات المعيشة للمواطنين فلجأت الى قطع رواتب موظفيها الى الربع وزيادة الضرائب على الكسبة لكي تتمكن من دفع تلك الديون.وبذلك فإن شعب كردستان بدلا من أن ينعم بخيرات النفط، أصبح يدفع ضريبة باهضة لفشل السياسة الإقتصادية لبعض جهلاء حزب بارزاني الذين يمسكون بالسلطة المطلقة في الإقليم.
واليوم يريد بارزاني وحزبه بالعودة الى بغداد، فما كانوا ينعتوننا به أصبح يشملهم أيضا، فقد تحولوا بدورهم الى أكراد للمالكي والعبادي يستجدونهما الأموال بما يكفي لدفع رواتب الموظفين؟!.حتى أنهم لايجدون بضعة ملايين دولارات لتنظيم إستفتاء المهزلة التي يخطط له مسعود بارزاني فيريدون فرضها على الشركات المحلية؟!.
لقد صدرت تصريحات عديدة من بارزاني وقيادات حزبه تدعو الى الطلاق من بغداد، حتى وصل الأمر برئيس حكومة الإقليم أن يصف الحكومة المركزية بالمفلسة، ولكنه لا يتحرج اليوم ليلجأ إليها عسى أن تتكرم عليه بزكاة الفطر حتى يحسن حال شعبه؟!.
لقد قال رئيس البرلمالن الدكتور يوسف محمد في مناسبة سابقة بأن الإصلاحات لن يقدر عليها أناس أميون.. ويبدو أن تشخصيه كان سليما، فعلى الرغم من أن وزير الموارد النفطية أدعى في إجتماع حكومة الإقليم مع البرلمانيين بأنه خبير لامثيل له في العالم بشؤون النفط،لكنه أوقع الإقليم في أزمة لن يخرج منها إلا بعد ثلاثين سنة..دعونا ننتظر ماذا سيقول طبالي وزماري مسعود بارزاني حين يعود سيدهم الى بغداد ويسترحمها لإعادة ميزانية الإقليم..
قديما قيل" إن لم تستح فإفعل ماشئت".