بداية اود الاشارة الى ان مشروع الاستفتاء الكردي حول الاستقلال الذي تبناه واعلنه رئيس الاقليم"مسعودبارزاني" وايده ودعمه شريكه في الحكم حزب طالباني، يعتبر حدثا سياسيا هاما بالنسبة للكرد ودول المنطقة، وسيكون له الاثر البالغ على التوازنات الدولية في حال صوت الشعب بالاجماع على الانفصال عن العراق وتشكيل دولته المستقلة، وبعد ان يأخذ الضوء الاخضر من الدول الكبرى طبعا، فبدون مباركة مسبقة من هذه الدول لن يفضي الى نتيجة. وبدون شك ان عملية الاستفتاء تعتبر انجازا قوميا واستراتيجيا مهما بحد ذاتها وان لم تؤدي الى الاستقلال في الوقت الراهن على الاقل وتكمن اهميتها من عدة جوانب منها انها جاءت في وقت يعاني الكرد من نزاع واختلاف داخلي كبير اثر بشكل سلبي على موقفهم في بغداد التي استغلت حالة التمزق هذه وعمقت الخلافات بين الفرقاء السياسيين بشكل كبير، وقد يؤدي في حال نجاح عملية التصويت بنسبة كبيرة الى انهاء الخلافات الداخلية وجمع الامة على هدف واحد مشترك بعكس ما يراه رئيس الوزراء (حيدر العبادي) في معرض تبريره رفض الاستفتاء من انه (سيفجر مشاكل داخل الاقليم).

ربما فكر قادة الحزبين الكرديين الرئيسيين الذين يديران دفة الاقليم منذ اكثر من 26 عاما بهذه النقطة الجوهرية كثيرا قبل تحديد يوم 25 سبتمبر المقبل لاجراء الاستفتاء رغم معارضة جميع القوى المحلية والدولية للعملية بسبب الاخفاق الواضح لحكومة الاقليم ومؤسساتها الدبلوماسية وعلاقاتها الخارجية المعنية بتوفير الدعم الخارجي لمشروع قومي كبير مثل الاستفتاء، هل معقول لم تؤيد دولة واحدة في العالم المشروع؟! وماذا كانت تفعل هذه الحكومة منذ تشكيلها في 1992؟!، هذه المسألة تحتاج من القادة الكرد وعلى رأسهم "مسعودبارزاني" الى وقفة جدية ومسؤولة.

ولكن لماذا طرح "بارزاني" مشروعه في هذا الوقت بالذات (25 سبتمبر) وقبل موعد الانتخابات العراقية القادمة؟! هل لكي يمنع الطرف الكردي بكافة اطيافه السياسية من المشاركة فيها كنوع من الضغط السياسي على بغداد لقبول شروطه وتنفيذ مطالبه وفي مقدمتها تطبيق المادة 140 الدستورية والاشراك في الحكم، كما يقول به بعض المحللين، ام اراد ان يوصل رسالة من خلال الاستفتاء للعالم والولايات المتحدة الامريكية التي تمارس ضغطا دائما على الاقليم على ضرورة حل مشاكله مع بغداد دون ان تتدخل او تظهر في الصورة!، فحوى الرسالة ؛ ان العلاقة مع بغداد قد وصلت الى طريق مسدود والاتفاق معها ضرب من المستحيل!

وثمة احتمال آخر من طرح الاستفتاء هو ان "بارزاني" اراد فعلا ان يعود الى الشعب الكردي والاحتكام اليه بعد ان فشلت كل المحاولات السياسية في التأثير على اقطاب الحكم في بغداد والتوصل معهم على تفاهمات سياسية تنهي الصراع المستمر ولكن دون جدوى، وبعد الاخفاق السياسي المتواصل واستنفاد الطرق الدبلوماسية جاء دور الشعب ليدلي بدلوه ويقول كلمة الفصل في العلاقة بين الكرد والعرب بشكل عام المتوتر دائما.. وخطوة رمي الكرة الى ملعب الشعب الكردي ليحسم الامر نهائيا، خطوة متقدمة من شأنها ان تظهر بعض ملامح السياسة القادمة للاقليم تحت عنوان (الشعب مصدر السلطات) وقد تعقبها خطوات اخرى اكثر تعقيدا واثارة في العملية السياسية الكردية الجارية مثل اختيار منصب رئاسة الاقليم عن طريق التصويت المباشر الذي طالما دعا اليه حزب بارزاني ورفضته المعارضة.

ولا ننسى ان اعلان الاستفتاء له تأثير ايجابي على الحالة النفسية للمواطن الكردي على المدى البعيد، حيث سيخفف عنه وطأة الخوف "التاريخي" من الدعوة العلنية الى الانفصال عن العراق دون ان توصم بتهمة "التمرد" و"الانفصال" والعقوبات المترتبة عليها، وماكان يردد في الخفاء والغرف المغلقة خرج الى العلن..وفي تحدي واضح للرافضين!