تعم الكرة الأرضية الفوضى والعنف والحروب الأهلية والدمار والمآىسي ولا أحد من الناس يدري لماذا كل هذه القسوة والوحشية والتدمير والقتل، وذلك بكل ببساطة لأنهم لا يتأملون في عظمة الكون وتفاهة وجودهم فيه، لقد جردوا أنفسهم حتى من الحلم الذي يبدو أنه، الحجارة والجماد والنبات والحيوان، لم يتخلون عنه. مليارات من البشر يتمسكون بأهداب نصوص وأحداث وتواريخ وشخصيات أغلبها وهمية أو مزيفة أو محرفة أو مزورة أو مبالغ بها إلى حد الخرافة والأسطورة والتأليه. وباسمها يجري ما يحدث اليوم من مواجهات ومعاناة وإبادات. 
من نحن؟ وماذا نمثل في هذا الكون المرئي أو المنظور؟ العلماء في أبراجهم العاجية يواصلون أبحاثهم ودراساتهم للوصول إلى الحقيقة ومعرفة من أين وإلى أين جاء وسيذهب هذا الكون المرئي المهول. والمفارقة أن هؤلاء الرهط من العلماء يمولهم ويرعاهم من يروعون البشر ويسومونهم العذاب والحرمان والفقر والحاجة والجوع والعراء وفقدان المأوى والأمان والرعاية الصحية، من مؤسسات سياسية ودينية وعسكرية ومجرمين يمتلكون السلطة والمال والإعلام وغسل الأدمغة وتدمير العقول، فكيف نفهم هذه المفارقة؟
في البدء، قبل 13.85 مليار سنة، لم يكن هناك شيء، لا الزمن الذي نعرفه ونسير معه كتيار الماء القوي الذي لا يقاوم، ولا المكان الذي يحتوينا رغم شدته علينا، ولا حتى أي وجود مادي ملموس نعرفه، في أكبر أشكاله، في اللامتناهي في الكبر، وفي أصغر أشكاله، في اللامتناهي في الصغر، والمقصود بها هنا الجسيمات الدقيقة الأولية اللامتناهية في صغرها والتي تعرف اليوم بأسماء كالكواركات والغليونات والنيوترونات والأوتار وغير ذلك من التسميات. لم يكن هناك سوى نوع مما يمكن تسميته بالرغوة الأولية البدئية من الحلقات والأوتار التي باتت تتضخم وتتعقد وتتشابك وتتفاعل ومنها انبثق كل ما نعرفه اليوم في علوم الفيزياء، الزمان والمكان أو الفضاء والثقالة أو الجاذبية والقوى الجوهرية المؤسسة للوجود المادي، والتي كانت في البدء قوة واحدة وموحدة تسير الكون الوليد الذي بدأ حجمه بالتوسع والتنامي على نحو لا يمكن قياسه والذي يعرف اليوم بمرحلة التضخم الفجائي الهائل والفوري. ومن ثم حدثت تماوجات وتخلخلات وتقلبات fluctuations كمومية أو كوانتية ما دون الميكروسكوبية والتي أدت إلى ظهور المجرات والنجوم والكوازارات و السدم والغازات الكونية، وإثرها نجمت القوى الكونية الجوهرية الأربعة المعروفة، حيث كانت الحرارة والكثافة آنذاك هائلة في ارتفاعاتها.
انخفضت درجة حرارة الكون الوليد واستمر توسعه ولكن على نحو أبطأ وأكثر هدوءاً مما كان عليه في لحظات انبثاقه بعد الانفجار العظيم Le Big Bang، ولقد كان الكون المرئي في بدايته مكوناً من المادة والمادة المضادة على نحو تناظري وتماثلي متساوي ومتعادل تقريباً كما كنا نعتقد، ولكن لسبب نجهله اليوم، حدث خلل في نسبة المادة إلى المادة المضادة، ففي محاولة إفناء بعضهما البعض، لم يبق في الكون المرئي البدائي سوى الجزء القليل جداً من المادة والذي له الفضل في وجودنا الحالي وما حولنا، عند ذلك تكونت أولى النوى أو النويات ما دون المجهرية والكون مازال في ذلك الوقت حاراً ومضبباً opaque أو غير شفاف حتى بالنسبة لإشعاعاته التي يمتصها ويعيقها بمجرد محاولتها للظهور والانتشار، أما المادة المضادة فقد اختفت كلياً في العدم وربما كونت كونها الخاص بها. وبقي العالم المادي ليس أكثر من حمام مظلم أو داكن ومكون من جسيمات أولية بدائية أو بدئية في حالة تفاعل مستمر فيما بينها. انخفضت درجة الحرارة أكثر فأكثر بحيث أتيح للإلكترونات الالتحاق بالنوى أو النواتات بغية تشكيل الذرات الأولية البدائية عندها غدا الكون البدئي مرئياً وشفافاً. 
بدأت الثقالة أو الجاذبية تقوم بدورها تدريجياً وتحدث تأثيرها وفعلها وتساهم في إنهيارات الغازات الكونية على نفسها ومنذ ذلك الحين نشأت أولى النجوم التي تشكلت على شكل مجرات أولية، وكانت النجوم الهائلة الكتلة تعيش عمراً اقل من غيرها لأنها تحرق طاقتها بسرعة أكبر وفي أقل فترة زمنية، وعندما تنهار على نفسها وتنفجر يتحول بعضها إلى ثقوب سوداء سوف نأتي لوصفها وشرحها لاحقاً، أو تتحول إلى أجرام سماوية مغطية occlus، وبدأت تتركب العناصر الأولية اللازمة لظهور الحياة في الكون. ومن ثم 
تشكلت حول النجوم مجموعة من الكواكب مكونة المنظومات الشمسية على غرار نظامنا الشمسي الذي نعيش فيه اليوم بفضل تفاعلات كيميائية وبيولوجية باتت معروفة اليوم بفضل نظرية التطور والانتخاب الطبيعي لتشارلس داروين. لم تعد درجة حرارة الكون البدئي تزيد عن الصفر المطلق - 273ِ°C إلا ببضع درجات. وفجأة وبطريقة مدهشة وغامضة تسارع التوسع الكوني وتضاعفت المسافات بين الأجرام السماوية على نحو جوهري وارتسم في الأفق الكوني تطور غير متوقع وغير منتظر بعد هذا التضخم الهائل الذي بات يقاس بمليارات السنين الضوئية. هذه هي قصتنا بكلمات مختصرة والتي تحدثنا عن أصلنا ونشأتنا المفترضة من الناحية العلمية وهي الإطار الذي تدور في داخله فيزيائنا المعاصرة التي ما تزال تتطور إلى ما لا نهاية. 
ليس من السهل التفكير في العالم على نحو عقلاني مستقل بدون التأثيرات الفكرية والآيديولوجية والدينية والفلسفية التي تكيف وتوجه وتقولب تفكيرنا ورؤانا ومعتقداتنا، فكل تفصيلة في مقاربة هذا العالم هي غاية في التعقيد والعمق كما لو كنا نغوص في بحر من الظلمات ونسير على هدى شعلة تكشف لنا بالتدريج خطوة إثر خطوة، روعة وجمال وتعقيد هذا العالم الذي نعيش فيه، وأدواتنا التي نتوسلها في مقارباتنا وأبحاثنا لم نسيطر عليها بعد كلياً، وهي العلم والتكنولوجيا والطبيعة. فما هو العلم بالضبط؟ وماهي الطبيعة؟ وماهي التكنولوجيا التي قد تشكل علينا خطراً يقرب من الإبادة للنوع البشري خاصة في مجال الأسلحة والذكاء الصناعي على سبيل المثال لا الحصر. فإذا لم نفني أنفسنا بأيدينا، وهذا محتمل، فسوف يتكفل الكون المرئي بهذه المهمة إن آجلاً أم عاجلاً، من خلال التغيرات المناخية او اصطدام الكوكب بالمذنبات والشهب والنيازك، أو سخط الشمس علينا أو تصادم مجرتنا بمجردة آندرميدا المجاورة وابتلاعنا. 
لماذا يوجد شيء ما بدلاً من لاشيء؟ هذا هو السؤال الفلسفي الجوهري الذي طرحه البشر على أنفسهم وأقلق عقول الفلاسفة من سالف الزمان، منذ حقبة الفلسفة الإغريقية مروراً بسبينوزا وليبينز وهيديغر وساتر ودولوز، وانتهاءاً بالمتصوفة المسلمين والكابالا اليهود والعرفانيين المسيحيين ووصولاً إلى علماء العصر الحديث وعلى رأسهم آينشتين وستيفن هوكينغ وآلاف غيرهم. ومن هنا فإن الفلسفة ضرورية في مسعانا ومنهجنا وطريقتنا العلمية للبحث عن الحقيقة، خاصة عندما يكون الكون المرئي هو موضوع ومحور الدراسة والبحث العلمي. فالكون ليس سوى نظام كباقي الأنظمة الوجودية. فمهما تعمقنا وقدمنا من نظريات علمية تجريبية مبرهنة فإن ذلك لا يعني ولا يدل قطعاً على أنها الحقيقة المطلقة و لا يوجد سواها. وبالتالي ليس بوسعنا تقديم وصف دقيق وعلمي ونهائي للكون المرئي كما تدركه عقولنا المتقوقعة والمتكلسة،سجينة مسلماتها البدائية ونظراتها الخرافية لكل شيء. 
لا ننسى، ونحن نسعى لمعرفة حقيقة وتطور وطبيعة الكون المرئي، أننا جزء من هذا الكون ونتطور مثله وفي داخله ومعه ونحن عنصر من عناصره التكوينية ولدينا، مبدئياً، القدرة على التأثير فيه وفي مستقبله وصيرورته. ولكن نظراً لما فعلنا من خراب في كوكبنا، فمن حسن الحظ أن قدرتنا التأثيرية، في الوقت الحاضر، في الكون المرئي، شبه معدومة و ليس لها شأن كبير، على مستوى لكون المرئي أو المنظور. فمن الأفضل ألا يتدخل المراقب البشري في خصوصية وحقيقة وجوهر ما يراقبه ويدرسه، لنكتفي بالنظر والحساب والدراسة وأخذ العبر. 
يتبع