نظام سياسي أُقيم على ركام من الأخطاء إستمر في منهاج بناء ركام فوق ركام الأخطاء الجسيمة المكلفة للأرواح والمال والدمار الشامل والسير على نار دعم حركات إرهابية تحمل السلاح دون أذن من سلطة قضائية . هكذا كان ولازال حال العراق منذ شهر أبريل نيسان 2003. 

ينجذب الناس في العراق وعالمنا العربي الى عبارات دينية وسياسية جذابة المظهر والمعنى ومستعملة لغوياً لكبت جرائم ونكبات مرعبة مرتكبة من أشخاص تبؤوا أعلى المسؤوليات في السلطة السياسية وإعتبروا جرائمهم هفوات وكبوات وأخطاء يمكن تلافيها مستقبلاً. 

بلا مجاملات وعبارات فلسفية عشوائية جديدة والتمسك بأقوال وأحاديث، خرج أهل العراق من أهوال نظام سياسي سيئ الى نظام السلطة المشوه الأسوأ بعد عام 2003 . وتبحث مؤسسات دينية الى جانب المؤسسات الأكاديمية السياسية كيفية منع جريمة صراع حرب المذاهب بحق الشعوب قبل وقوع نكباتها ومنع من يؤججها . ونحن من اعمتنا ثقافة التطرف والعنصرية و التعصب والطائفية والتقسيم القومي الأثني نسير وفق عقلية البطش بالخصوم من أبناء جلدتنا، لانرى خضرة الحدائق والمروج أكثر نظارة وبهاء بنظافة المياه ومن يسقيها كي تترعرع بالشكل الصحيح.

جاء بيان الكنيسة الكلدانية بخصوص مؤتمر بروكسل 28 حزيران 2017، وصيغة إعلام البطريركية في العدد: 180 بتاريخ 22 حزيران يونيو 2017 ليعبر عن إيمان معبر ومصاغ بنظرة مجتمعية عقلانية رائعة بدليل العبارة وتقييم سليم، أقتبس منه ( بان مستقبل المسيحيين مرتبط بمستقبل العراقيين جميعا، وانهم جزء لا يتجزأ من نسيج هذا الوطن، وان مستقبلهم يجب أن يبحث ويناقش داخل البيت العراقي عبر الحوار الصادق والحكمة والرؤية وليس خارجا عنه. وإذا كانت للغرب نية سليمة للمساعدة وتقديم المشورة، فليدعم العراق في حربه ضد الإرهاب ومساعي تحقيق المصالحة الوطنية وترسيخ الأمن والاستقرار، وليساهم في عملية أعمار وتأهيل البلدات المحررة لتسريع عملية عودة النازحين إلى بيوتهم، والواقعية في تقديم مطالب قابلة التنفيذ وليس تعجيزية نسأل الله أن يحمي العراق والعراقيين " . وهنا أقول أن الواقع العلمي الثقافي هو صديق صدوق لايعيش في مغارات الزمن لشن الحملات بنقش الأقوال المنسوبة ونقلها الى مواقع الجهاد الألكترونية بدافع إدامة الصراع.

الأتجاه الفكري العقلاني هو صادقني وصادقك، و وجّهني و وجّهك وقودني و أقودك الى الطريق بالأدلة القاطعة الدامغة المُسجلة لا بالأحاديث ومن تنسبها إلى قائلها، ولا بالطلاسم الخرافية ومن إبتكرها بعقلية تدميرية لفرض نمط مختلف، وسلوك يلاحق فيه الكلب ذيله والدورن حوله. 

نوافذ وابواب الفيس بوك ورسائل البريد الإلكتروني وتويتر والتليفونات الذكية والقنوات التلفزيونية العقائدية في العالم العربي المأخوذة عن أوروبا وأمريكا وتكنولوجيتها ليست إلا عبارات وأقوال منسوبة ومقتبسة نستخدمها بجهل وعاطفية، وإزدادت فيها وإرتفعت، نسب التلفيق والمدح والذم والشتيمة والصدق والكذب والتكابر والتفاخر ونشر البدع الساخرة الملصقة المارتونية والكاريكتورية المضحكة وهي تقود الى تعليم شباب الأجيال القادمة مختلف الأفكار الضارة ومتاهات بين من إعتنقها في مجتمعاتنا . لقد أصبحت مجتمعاتنا محاضرات ثقافية تطلق مبادئها التجارية والصحية المربحة على الهواء من هواتف مخصصة أصلاً للإتصال الأجتماعي البروتوكولي وتنظيم المواعيد، وتناول السياسيون ووعاظ الأديان،كل حسب مقامه وإمكانياته، فعالية التكابر والتفاخر والتشذيب والتكذيب والأستفادة المباشرة منها. 

فإلى جانب التكابر والتفاخر بعبارات " إن شاء الله، وبعون الله "، أمتهن مهنة الأقوال المنسوبة المحببة الى الناس البسطاء أصحاب الفكر المبرمج على الفتح والقتل، وبدأت الحركات المتطرفة بإستخدام هذه الأمكانيات لتجنيد صغار السن وعسكرة المجتمعات وبرمجة أفكارهم في عصر تتجه فيه الأمم الى الحياة الأفضل . ولاتجد أن هدف هذه الأمكانيات بيننا غرضها تحديد هدف مشاريع إنجازية ومدة وتاريخ تحقيقها بالقوى الأنتاجية والأقتصادية والمعرفة التسويقية والتي تعطيك القوة الحقيقية في الحرية . فتلك هي مهنة خدمتهم اليومية "التجاوز على العلم والمختبرات العلمية وعسكرة المجتمعات " التي يراها ويبحثها الأخرون بنسيج مختبري وأكاديمي وعلمي إنجازي محدد ويتطلعون منها الى داخل قبب مجالسكم وإجتماعاتهم. 

علماء أفادوا شعوبهم ودعموا مجتمعاتهم بالتعددية والتنوّع وبإنتاجهم ولم يعيروا أي أهمية لطلاسم كلامية وأحاديث منسوبة الى رسل وأنبياء نكن لهم، دون شك، مبادئ الأحترام والتجليل والطاعة، ثم تجاوزوا في مهنتهم التربوية الدينية على العلمانية التي يراها ويبحثها الأخرون بخيوط العلوم الحديثة وتطويرها وتحديثها . فما قدمته الأحاديث والقصص من مثاليات لاصحة لها، دعمها الإعلام العربي الحكومي المُسّير المساهم في تشويه طبيعة وتيرة العلم والعلوم ومعانيها . خير دليل؟ التقدم الحضاري الصيني الحالي خير دليل على ما أقول . " وخضرة المروج أكثر نظارةً وبهاءاً بنظافة المياه ومن يسقيها " في بلد لاتسيره العمائم وأحاديث منسوبة الى أشخاص. 

واليوم نرى أنفسنا مثقلون بالصراع بين أصحاب أدبيات ووصايا الأقوال المنسوبة وهي تحث على ربط فتيل وحزام التفجير بالجسم بغرض قتل أكبر عدد ممكن من الناس دون هدف. فماذ قدموا الى ربهم وماذا كان سعيهم ومتى يحثون ويسهمون بإذابة الفوارق؟ وعندما تبحث عما هو متخيل في عقولهم وتبين لهم وصفهم المزاجي المفتعل للحياة الطبيعية، يقولون لك بأنها روحية الدين ومقتبسة بتفاسيرهم ومصادرهم بالعبارات اللفضية التي لايعول عليها عقلانياً أو علمياً. 

بعد إنتقال ميدان المعارك والصراع العلمي والديني المذهبي الى الأنترنت، أطلق مؤسس موقع "فيسبوك" مؤخراً حملة لمناهضة التطرف وخطره، عقب تحذيرات مؤسسات علمية وخيرية ومنظمات اخرى، للتقليل من خطاب الكراهية والتطرف في أعقاب الهجمات الإرهابية الأخيرة في بلجيكا وبريطانيا وفرنسا ولغرض مكافحتها بتطوير ممارسات افضل".

كاتب وباحث سياسي