في حوار أجرته معه مجلة:اوبوان" الفرنسية، تحدث الكاتب الروسي بوريس أكوني ال ذي ترجمت أعماله إلى أزيد من عشرين لغة عن "الروح الروسيّة" التي يكثر الفرنسيّون من إستعمالها على النحو التالي:”إنها -أي الروح الروسيّة- مثل "الباغيت"،و"الكامامبار" لدى الفرنسيين،أي شيء مشترك بين الجميع.والفرنسيّون يتكلمون معي دائما عن "الرّوح الروسيّة".ولا بدّ أنهم قرؤوا الكثير من الروايات الروسيّة،أو لعلهم شاهدوا احيانا فيلم"الدكتور جيفاكو".أعتقد أن روسيا مجتمع معقّد بأناس،وأمزجة،وتواريخ،ورؤى سياسيّة مختلفة.وسيكون من الخطأ الظنّ بأنها مجتمع متجانس.فلقد تقاتل الروس في بينهم لقرون عدة..وتشبه روسيا صقرا بجسم كبير ورأسين..الجسم الكبير هو السكّان.والرأسان هما النخبة.الرأس الأول يميل الى الغرب.والرأس الثاني ينظر الى الشرق.بالنسبة للغرب،الأولويّة للفرد.وأمّا الشرق فالمجموعة هي المهيمنة.وبمفاهيم النظام السياسيّ، يعني هذا أن الدولة في الغرب هي التي تعنى بشؤون الفرد.أما في الشرق،فإن الفرد مطالب بأن يكون في خدمة الدولة.وبالنسبة لزعماء من أمثال بيار الكبير، وأغلبية القياصرة،وأيضا بالنسبة لستالين وبوتين،تعتبر الدولة قيمة مقدسة وأبديّة. وعلى الروس أن يضحوا في سبيلها.أما بالنسبة لشخص مثلي،فإن الدولة هي بكلّ بساطة بنية مطالبة بأن تسمح للفرد بأن يحقّق ذاته،وبأن يكون سعيدا.وأغلبية السكان،أي جسم الصقر،لا تهتم بالسياسة،بل هي تهتم بالحياة اليومية،وبالعمل وبالعائلة".ويرى أكونين أن بيار الكبير لم يهتم بالغرب إلاّ لكي يمتلك التكنولوجيا الأوروبية، مُبقيا على تركيبة الدولة على حالها، ومن دون أن يحدث فيها أي تغيير. وكان يؤمن بأنّ الدولة لا بدّ أن تكون قويّة.وكان مستعدا لتقديم تضحيات جسيمة من أجل الإمبراطوريّة.ويمكن إعتبار كاترين الكبيرة، وحفيدها الكسندر الأول، وأيضا الكسندر الثاني،وغرباتشيف ويلستين موالين للغرب مثل بيار الكبير.وردّا على الفرنسيين الذين يعتقدون بأن دستويفسكي قام بنقل البعض من أعمال بالزاك للفرنسية بهدف مدّ جسر بين روسيا وأوروبا،قال أكونين:”نحن لسنا في حاجة الى جسور، فنحن لسنا ضفتين لنهر. وإذا ما تغيّر النظام السياسي في المستقبل،فإن روسيا ستكون مثل أيّ بلد أوروبي. وعلى الأوروبيين أن يكفوا عن النظر إلينا كما لو أننا مُستعبدون. الوضع في روسيا وقتيّ وسوف يتغيّر.لكن علينا ألاّ ننسى بأن روسيا هائلة الإتساع بأساليب حياتية مختلفة مثل الصين تقريبا".
ومتحدثا عن طفولته في ما كان يسمى بالإتحاد السوفياتي في الفترة الشيوعية،أشار أكونين إلى أن أشياء كثيرة من تلك الطفولة لا تزال مهمة بالنسبة له.وفي نهاية الفترة السوفياتية،كان يشعر بالشفقة تجاه نفسه لأنه ولد في ظلّ نظام شمولي لا مستقبل له.أما اليوم فهو برى أنّ الحظ أسعفه لكي يعيش تلك الفترة. ويضيف أكونين قائلا:”عندما نكبر في مجتمع قاس فيه يكثر الكذب،نحن نتعلم مبكرا كيف ننحت رأينا،وكيف نقرر مصيرنا بأنفسنا،وكبف نفرّق بين ما يقوله الناس في العلن، وما يقولونه في الحلقات الضيقة والحميميّة. ومن كلّ هذا نحن نتعلم كيف نصمد، وكيف نواجه سلطة الدولة.وجميعنا تعلمنا في سنوات الشباب كيف نكون مستقلين،وإلا كنّا نصبح مجرد سلع تباع بأبخس الأثمان.والعيش في الإتحاد السوفياتي سمح لنا بان نعيش حيوات مختلفة ومتنوعة.وعندما ولدت في موسكو عام 1956،كنت عضوا في الشبيبة الشيوعية،ثم معارضا سريّا.بعدها عرفت روسيا الديمقراطية،وروسيا المتسلطة.وها أنا أبدا حياة جديدة خارج روسيا لأنه لم يعد بإمكاني أن أعيش في وطني".
وعن بوتين قال أكونين:”بوتين له عقليّة مراهق الضواحي العفنة، وعلى أية حال هو كان كذلك.وهو لم يكبر.وهو يؤمن بأصحابه وبالقواعد التي إبتكرها معهم.لكنه لا يؤمن بالقانون.وهو ذكوريّ وطفوليّ عندما يتصور عاري الصدر على ظهر حصان،أو هو يلعب الهوكي في طائرة أو في غواصة في حين انه تجاوز سنّ الستين، ولم يعد"أوبولون".وهو يعتقد أن العالم بأسره يكذب عليه،وأن محاوريه يزعمون أنهم أفضل مما هم في حقيقة الأمر خصوصا حين يتحدثون عن حقوق الإنسان،أو عن السلام في العالم.وهو يظن ان الجميع يشبهونه، وأنهم يبحثون عن السلطة والجاه والمال، وعازمون على فرض إرادتهم.وهو يكون أحيانا على صواب،وأحيانا على خطأ.وروسيا اليوم على صورته.ولها عقلية مراهق.لهذا السبب نجد أن الروس متفقون معه".