الذي نعرفه عن الزمان هو أدوات قياسيه لمفاهيم كالثانية والدقيقة والساعة واليوم والشهر والسنة، وما نعرفه عن المكان أنه وعاء ثلاثي الأبعاد، الطول والعرض والارتفاع، ولكن في واقع الأمر، إن الزمان والمكان مفهومان سيكولوجيان يتأرجحان بين النسبي والمطلق، وبين اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبر. عندما نصل إلى النقطة الحرجة المعروفة باسم " الفرادة الكونية" وهي نقطة تقع في اللامتناهي في الصغر النسبي، لأنه مقيد بحدود كوننا المرئي، نلج إلى اللامتناهي في الصغر المطلق، في كون أوسع وأشمل ولا متناهي في الكبر هو الكون المطلق، في نطاق مفهوم التعدد الكوني أو الأكوان المتعددة، فالكون المرئي ليس سوى جسيم لامتناهي في الصغر داخل الكون المطلق. وعندما نبلغ حدود اللامتناهي في الكبر النسبي، أي ما وراء الأفق الكوني للكون المرئي القابل للحساب والقياس، يمكننا أن نعبر إلى اللامتناهي في الكبر المطلق، ومن ثم ننزلق من أحدهما للآخر على نحو تعاقبي. قد يكون هذا النص بالنسبة للكثيرين مجرد ثرثرة كلامية وهرطقة معرفية لكنه في الحقيقة أحد المعطيات العلمية الحديثة المؤكدة علمياً في مجال علم الأكوان الكوسمولوجيا الحديثة.
لنراجع معاً بعض الأرقام لكي نفهم ونستوعب ما قرأناه أعلاه قبل المضي في رحلتنا الطويلة خارج الزمان والمكان المألوفين لدينا:
النظرية العلمية السائدة اليوم عن أصل الكون المرئي هي نظرية البغ بانغ أو الانفجار العظيم أو الكبير والذي وقع منذ 13،82 مليار سنة وبعده بــ 377000 سنة تشكلت أولى الجسيمات الأولية حيث ظهرت الأشعة الأحفورية الخلفية المكروية المنتشرة في أرجاء الكون المرئي أو المنظور. وبعد 200 مليون سنة من الانفجار العظيم تشكلت أولى النجوم والتي انتظمت بعد مرور مليار سنة على هيئة حشود وأكداس وعناقيد والتي تسمى بــ الآماسات المجرية، وبعد 9 مليار سنة من الانفجار العظيم تشكلت الشمس ونظامنا الشمسي وبعد 18،7 مليار سنة ستموت شمسنا وتنطفئ وبالطبع ستموت معها الحياة على الأرض إذا لم يعثر العلماء على وسيلة لإدامة الحياة و إنقاذ النوع البشري على كوكب آخر مشابه للأرض خارج نظامنا الشمسي.
القياسات والحسابات على المستوى الكوني في الكون المرئي، خاصة للمسافات، تتم بالسنة الضوئية وهي ما يقطعه الضوء خلال عام بسرعة 300000 كلم في الثانية الواحدة، ولقد تمكن العالم البريطاني جيكس برادلي من حساب سرعة الضوء التقريبية سنة 1729 في حين نجح العالم الألماني فردريك باسيل من حساب ما يقطعه الضوء خلال عام وسماه السنة الضوئية وذلك في عام 1938. ولسرعة الضوء قصص مثيرة مرتبطة بالزمن والسفر عبر الزمن والعودة إلى الماضي والذهاب إلى المستقبل حسب مبدأ آينشتين في النسبية العام تباطؤ الزمن مع السرعة والمعروف عند العامة بمفارقة التوأم والتي يرويها كمثال عن شقيقين توأمين يبلغان من العمر20 عاماً، ذهب أحدهما في رحلة فضائية استغرقت 8 أعوام ذهاباً وإياباً وعند عودته إلى الأرض كان عمره 28 عاماً لكنه لم يجد شقيقه بانتظاره بل حفيد حفيد حفيد حفيد شقيقه وعمره 28 سنة أي أن هناك 800 سنة قد مرت على الأرض منذ مغادرته لها في حين بقي عمره كما هو أي مجرد ثمانية أعوام إضافية هي مدة رحلته أي إنه عاد إلى المستقبل الأرضي.
كلنا يعلم أن ضوء الشمس يحتاج إلى 8،4 دقائق لكي يصل إلى الأرض ليقطع مسافة تقدر بــ 160 مليون كلم أي أننا نرى الشمس قبل أكثر من ثمانية دقائق مما هي عليه في هذه اللحظة فلو كانت مأهولة بالسكان فربما يحدث خلال هذه الدقائق الثمانية زلزلال أو انفجار أو انقلاب عسكري أو حرب أهلية دون أن نعلم بها إلا بعد مرور ثمان دقائق ونصف تقريباً. هناك إحدى النجوم التي نراها بالعين المجردة بدون تلسكوب وهي نجمة V762 في كوكبة كاسيوبيه لكنها تقع على بعد 154 مليار كلم أو على بعد 16308 سنة ضوئية وإننا ننظر إليها الآن لكن قد مر عليها أكثر من 16000 سنة وربما تكون قد انقرضت وماتت أو أن الحياة فوقها تطورت لكننا نراها كما كانت عليه قبل هذه المدة وليس كما هي عليه اليوم إذ أن الضوء القادم منها ويحمل أخبارها إلينا يحتاج إلى 16308 سنة لكي يصل إلى الأرض بسرعة 300000 كم في الثانية. وأقرب نجم إلينا يبعد عنا بمقدار 4 سنوات ضوئية وهناك نجوم تبعد عنا 13 مليار سنة ضوئية. وهكذا فإن النجوم كالبشر تولد وتكبر وتشيخ وتموت لكن عمرها يقاس بمليارات السنين فالاختلاف بين الأحجام مهول تخيلوا الفرق بين ذرة وما دونها وكون وما بعده. فلو تصورنا الذرة بحجم الكرة الأرضية فإن النواة في داخلها لاتتعدى حجم ملعب كرة قدم بالنسبة إلى الأرض فتخيلوا مدى صغر نواة الذرة نسبة لحجمها وهناك ما هو أصغر منها بالطبع في داخلها من الكترونات وبروتونات ونيوترونات وأصغر منها مثل الكواركات وأصغر منها مثل الأوتار. وبالطبع هناك الأصغر فالأصغر الذي لم نكتشفه بعد بأدواتنا التكنولوجية التي ما تزال بدائية لمثل هذه المهمة. هناك عالم غريب كمومي أو كوانتي يحتوي غلى الرغوة الكمومية أو الكوانتية mousse quantique وفي داخله يوجد أصغر بعد مكاني عرفه البشر وهو ما يسمى بطول بلانك ويقع عنده جدار بلانك الشهير ويقترن به أصغر وحدة زمنية هي زمن بلانك، ولكن هناك ما هو أصغر منه وهو من الصغر بمكان بحيث تبدو الجسيمات الأولية مقارنة به وكأنها بحجم الكرة الأرضية أو أكبر. العلم الذي يتعاطى مع هذه الأبعاد اللامتناهية في الصغر هو ميكانيك الكموم أو فيزياء الكوانتوم، وهو الذي قال عنه العالم الدنماركي نيل بور: لو قال لنا أحدهم بأنه يستطيع أن يدرس ويتأمل ويتعامل مع الفيزياء الكمومية أو الكوانتية بسهولة دون يصاب بالدوار إن لم نقل بالجنون فهو وبكل بساطة لم يفهم شيئاً منه. أما العالم الفذ ريشارد فينمان فقال: أعتقد أن علينا أن نتوخى الحذر ونقول وبكل ثقة وتأكيد أنه لا يوجد أحد يفهم الميكانيك الكمومي أو الكوانتي حقاً ومن يدعي ذلك فهو كاذب. ومن غرائب هذا العالم أن أحد أقطابه وهو إروين شرودينغر قد اكتشف غرابة هذا العالم وعبر عنه بقطته الشهيرة قطة شرودينغر وهي قصة خيالية عن مفارقة غريبة عرفت بمفارقة قطة شرودينغر الحية والميتة في آن واحد وفي نفس الوقت وهي تجربة فكرية تخيلية معبرة عن قطة مسجونة في صندوق محكم الإغلاق يحتوي على ميكانيزم يحتم كسر علبة صغيرة فيها غاز سام ولكن لا أحد يعرف متى وكيف ستنكسر وبالتالي لا يعرف ما إذا كانت القطة حية أم ميتة إلا بفتح الصندوق. هناك مبدأ علمي بهذا الخصوص يقول بأنه بدلاً من أن يكون الجسيم الأولي عبارة عن نقطة كتلية أو ذات كتلة محددة هو في حقيقة الأمر بمثابة منطقة ذات تأرجحات وتفاوتات fluctuations كمومية أو كوانتية كامنة منتشرة وموزعة عشوائياً في فضاء معطى أو في مكان أو حيز كوني على هيئة موجة رغم كونه جسيم، أي إنه ذو طبيعة مزدوجة جسيمية وموجية في آن واحد ومنتشرة في الفضاء الكوني وليس له موضع ثابت ومحدد ومعروف قابل للقياس، فقمم وتقعرات موجته هي بمثابة مناطق احتمالية أو مواقع احتمالية يمكن أن يتواجد فيها في كل لحظة في آن واحد. إذن يمكننا معرفة اتجاه الموجة للجسيم ولكن لا يمكننا تحديد موقعه على نحو دقيق ومضبوط وإذا قمنا بحساب موقعه بدقة فسوف تنهار دالة موجته ويتعذر علينا معرفة اتجاهه وسرعته، ويعرف هذا الوضع المحير بمبدأ الريبة أو اللايقين وعدم الدقة principe d’incertitude لهيزنبيرغ. هذا ما يقوله لنا العلم الحديث اليوم وخاصة فيزياء الجسيمات ونظرية النسبية الخاصة والعامة لآينشتين ونظريم الكموم أو الكوانتم وهما دعامتي علم الفيزياء الحديثة التي جاءت لتقد صورة أخرى عن الكون الذي نعيش فيه تختلف عن الصورة الميثولوجية الخرافية التي أتت بها الأديان، السماوية والوضعية. بزغ عصر العلم بفضل المشاهدة والمراقبة والمثابرة والتجارب العلمية والمنجزات التقنية أو التكنولوجية، اكتشف البشر قوانين الطبيعة الجوهرية الأربعة وهي الثقالة أو الجاذبية والكهرومغناطيسية والنووية القوية أو الشديدة والنووية الضعيفة، كما اكتشفوا حقيقة وآلية عمل الكون المرئي أو المرصود والمنظور و وجدوا التفسيرات العلمية والعقلانية لظواهر الطبيعة الغامضة التي كانوا يعتبرونها منجزات إلهية ومعجزات، وتنامى الوعي و الروح النقدية، ونجح العلم في تقديم الإجابات عن سر الحياة ونشأتها، والكون وطبيعته الحقيقية ومكوناته وآليات عمله، والأهم من كل ذلك حقيقة البشر وتطورهم من الخلية الأولية البدائية إلى العقل العلمي الجبار في يومنا هذا. إن هذه الأوديسة أو الملحمة الوجودية بدأت كما قلنا قبل قليل منذ ما يربو على 13،820 مليار سنة هي عمر الكون المرئي الافتراضي حالياً. لنعد إلى الوراء بمخيلتنا ونتخيل يوماً بلا أمس، ما قبل المكان والزمان الماديين اللذين نعرفهما جيداً، وسط اللامكان واللازمان واللاشيء واللاأين، عندما كان كل شيء مضغوطاً في حيز مكاني لا يتعدى مكان أو فضاء بلانك وهو 1,616 252 10-35 m، وفي لحظة زمنية لا تتعدى زمن بلانك 5,391 10-44 seconde، وهما أصغر وحدات قياسية في الوجود المادي، حين كانت المعلومة مركزة في الفرادة الكونية، وفجأة، بسبب غير معروف لحد الآن، تحرر كل شيء ووقع الانفجار العظيم وخرج المكمون إلى الوجود الظاهر، أولاً على شكل حساء بالغ السخونة، نوع من البلازما الكونية، ثم بات أقل سخونة ويبرد تدريجياً كلما امتد، مما أتاح إمكانية تشكل الجسيمات الأولية، إنه الكون الوليد. كانت الجسيمات الأولية على نوعين شبه متكافئين هما الجسيمات المادية والجسيمات المادية المضادة matière et antimatière،، ولو كانت كميتيهما متساوية تماماً لمات الكون المرئي لحظة ولادته لأن الجسيمات المتناقضة والمتباينة ستفني بعضها البعض، ولكن لأسباب ما تزال غامضة حدث خلل في التناظر الفائق وكان عدد الجسيمات المادية أكبر قليلاً من عدد الجسيمات المادية المضادة، وهو الأمر الذي سمح للكون المرئي بالوجود والبقاء على قيد الحياة.