عقد لقاء يوم السبت الموافق 12 أغسطس الحالي لثلاثة اعضاء من كبار اعضاء مجلس الشيوخ الأميركي والوفد المرافق لهم مع الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي في مكتب مجاهدي خلق في العاصمة الالبانية تيرانا، حيث نوقش خلال اللقاء اوضاع مجاهدي خلق في ألبانيا، وآخر المستجدات على الساحتين الإيرانية والاقليمية، كما تم بحث الحلول لإنهاء الأزمات الراهنة في المنطقة، هذه الحلول التي يجب ان تمر من خلال التغيير الديمقراطي في إيران والذي يتطلب ان يتم دراسته من جوانب مختلفة.

في البداية، لنلقي نظرة سريعة على ردود فعل نظام ولاية الفقيهاللاإنساني الحاكم في إيران، والذي قام فجأة ودون أي مقدمات وفور الاعلان عن لقاء وفد الشيوخ الأميركيين بالسيدة رجوي، بأن مزق لجامه، واجتاحت المخاوف من هزات السقوط وجوده، ولم تمض بضعساعات من هذا اللقاء، الا وباشرت معه العشرات من مواقعه وصحفهووكالات أنبائه من الجناحين «الاصلاحي» و«الاصولي» بنشر تفاصيل وصور الخبر واللقاء.

وبثت وكالة الأنباء الرسمية للنظام «فارس» التابعة للحرس الثوري الإيراني خبرا بعنوان «3 من كبار اعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي يسافران إلى مركز تجمع اعضاء مجاهدي خلق في آلبانيا، ويلتقون مريم رجوي».

وكتب موقع محسن رضائي القائد العام السابق للحرس الثوري الإيراني المسمى «تابناك» غداة اللقاء أي في 13 أغسطس الحالي «إن اعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وفي لقائهم مع زعماء مجاهدي خلق في آلبانيا بحثوا ”سيناريوهات وخططا وحلولا لزعزعة الاوضاعفي إيران”!!...». 

اما موقع «دولت بهار» التابع للرئيس السابق للنظام محمود احمدي نجاد فقد قال «... بعض من المحللين يعتقدون ان هذه الاجتماعات بين السلطات الاميركية والاعضاء الكبار من مجاهدي خلق هي ”في اطار تصعيد الضغوط الأمريكية ضد إيران على الساحة الدولية»... كما بث موقع تسنيم الحكومي في اليوم نفسه خبرا جاء فيه: «... في حين اننا كنا وفي العادة نشاهد انخفاضا في الانشطة السياسية على الساحية الدولية خلال شهر اغسطس، الا ان الذي حصل كان على العكس تماما فيما يتعلق بإيران.. حيث حدثت مجموعة واسعة من التطورات حول هذا البلد”»... وكتب موقع آفتاب نيوز الحكومي في 13 أغسطسايضا: «انه وفي لقاءات السلطات الأميركية مع اعضاء زمرة مجاهدي خلق، فان الحديث يدور دائما حول اسقاط النظام في إيران”»... وكتب موقع إيران اونلاين الحكومي «إن السيناتورات الأميريكيين بحثواايضا مساعي جماعة مجاهدي خلق حول ما يسمونه ارساءالديمقراطية وحقوق الانسان في إيران»... وهناك العشرات من الموضوعات كتبت في الجرائد الحكومية لا تندرج في نطاق هذا المقال، وهي ليست مدار حديثنا الان.

لنتأمل الآن في تأكيدات الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية خلال هذا اللقاء:

- خلافا لدعايات مؤيدي النظام الإيراني، فان النظام الاستبدادي الديني الحاكم في إيران متهالك وهشّ جداً، ولو لم يحظ بالدعم الخارجي خاصة سياسة المهادنة في أمريكا واوروبا، لما كان النظام قادرا أن يدوم حتى اليوم.

- إن تغيير هذا النظام في إيران أمر ضروري لا بدّ منه، وإن هذا التغيير أمر ممكن وفي متناول اليد.

- هناك بديل ديمقراطي ذو مصداقية، وان اعتبار تغيير النظام وتحقيق الديمقراطية في إيران مرادفا للحرب وعدم الاستقرار في المنطقة ليس سوى خدعة مصدرها دعايات اللوبيات التابعة للنظام الإيراني في العواصم الغربية.

- إن هذا النظام ومؤيديه ومجموعاته الضاغطة تصوّر الحقائق مقلوبة باستخدام الدجل، حتي توهم بأن أبناء الشعب الإيراني وشعوب المنطقة لا يليق بهم سوى الفاشية الدينية والتطرف والإرهاب تحت يافطة الإسلام.

- لكن الواقع هو أن سقوط هذا النظام أمر ضروري لإنهاء الأزمات الراهنة في المنطقة.

وهنا نبدي فقط ملاحظتين حول جانب من محورين من هذه التأكيدات: 

الملاحظة الأولى: ماذا يقول النظام الحاكم في إيران؟: يدعي أنه النظام الاكثر استقرارا في المنطقة. حسنا، لنلقي نظرة على كلام مهم"لم يصدره عضو من اعضاء المعارضة ضد هذا النظام" بل صدر عن شخص كان لديه سلطة من الدرجة الأولى، ومن العارفين جيدا بمايحدث داخل النظام وكان لسنوات مساعد رئيس الجمهورية.. هذا الشخص هو حميد بقائي الذي صرح بعد الافراج عنه من السجن وكان مساعدا لأحمدي نجاد ابان حكمه كرئيس للجمهورية مخاطبا زعماء النظام: «إنكم ستسقطون قريبا، لن تستطيعوا ان تفعلوا شيئا، السلطة القضائية جائرة وظالمة و إيجئي (المساعد الأول للسطلة القضائية) كذاب، وهناك زمرة من الفاسدين على رأس مقاليد الامور في البلاد...». ويرد عليه الملا ابطحي رئيس مكتب خامنئي مشيرا الىاحداث سجن «كهريزك» في انتفاضة عام 2009 في أنحاء إيران خلال الانتخابات الرئاسية حيث تم تعذيب وقتل العشرات من المتظاهرين ضد احمدي نجاد قائلا: «كم من ضعفاء النفوس، ذهب بقائي كم يوم إلى السجن ويقول ان هذا النظام سيسقط.... ثم يدعونا الى ان نذهب ونرى ماذا يحدث في السجون.. وكأنَّ احداث سجن كهريزك كانت في عهد دقيانوس ...». هذه حالة واحدة فقط من الحالات العديدة والهائلة من حرب الذئاب داخل النظام ونزاعات اجنحهتم الداخلية. إن هذه الحقيقة الواحدة بمفردها ستغنينا الى ان نشير إلى المشاكل الاقتصادية المستعصية والأزمات الاجتماعية والسياسية المتصاعدة وسائر التناقضات داخل هذا النظام.

لو ان اصحاب سياسة الاسترضاء لم يغلقوا الباب المفتوح بالحجارة، ولم يطلقوا الكلاب المسعورة، ولم يقوموا بحصار المقاومة الإيرانية ووضعها بشكل مغاير لجميع الاعراف الدولية على القائمة السوداء للارهاب، وفي المقابل اطلقوا العنان لديكتاتورية ولاية الفقية لتعيث فسادا في العراق وسوريا وفلسطين واليمن ولبنان لكي تفعل في هذه الدول ما تريد، ولو إن بوش الابن وبسبب فضيحة الموقف في العراق لم يترك النظام الإيراني لكي يضع ايديه ببساطة على مقدرات وسياسات البلد، ولو إن الرئيس السابق الأميركي باراك أوباما وفي ثمانية اعوام من حكمه لم يتخذ سياسة اعطاء الحد الأقصى من التنازلات لهذا النظام ولم يرسل مليارات الدولارات نقدا بالطائرات إلى إيران، ولو لم تتخذ ادارة أوباما سياسة الاسترضاء مع النظام في إيران ولو لم تغمض عيناه على قتل اعضاء مجاهدي خلق في مخيم أشرف بالعراق ولو لم تترك القوة الوحيدة المعارضة لهذا النظام والذي كان سلاحها هي وسيلتها الوحيدة للدفاع عن نفسها أمام جلاوزة النظام الإيرانيفي العراق، لو لم يترك المجاهدين عزلا دون اسلحتهم أمام الجلاوزةالعراقيين التابعين والمؤتمرين من قبل النظام الايراني... نعم لو لم يحدث كل هذا، لذهب هذا النظام إلى مزبلة التأريخ في العراق نفسه ... وليس هذا فحسب، بل لم يصبح الموقف في العراق بحسب ما نشاهد ويدور الان.. طبعا، ما ذكرناه هو غيض من فيض، والله وحده يعرف كم من الفضائح ارتكبت في هذا المجال، ونحن لم نرى من جبال الثلج سوى قمتها فقط..

اذكر جيدا انه وبعد غزو العراق في العام 2003 عندما كانت مجاهدي خلق تحذر الأمريكيين هناك من التسلل الإيراني في العراق، كانوا يجيبون المجاهدين بسخرية: انكم ترون حرسيا ”ثوريا” إيرانيا خلف كل شجرة! لم يصدقوا كلام المجاهدين... غير انهم تنبهوا لاحقا إنه لم يكن حرسيا واحدا بل قطيع من الحرسيين من ولاية الفقيه خلف وفوق وتحت كل شجرة... نعم لو لم تكن سياسة الاسترضاء لهذا النظام لم يكن نظام ولاية الفقيه بقادر بتاتا ان يصل الى ما وصل اليه والى هذه النقطة ولم يتمكن من الوصول إلى اهدافه مطلقا... على كل ذهب الماضي وفات ما فات وذهب ما ذهب بثمن باهظ جدا. 

الملاحظة الثانية: ان اعتبار تغيير النظام وتحقيق الديمقراطية في إيران مرادفا للحرب وعدم الاستقرار في المنطقة هي خدعة يتخذهاالنظام سواء في داخل البلاد أو في خارجها... ليقول للمواطنين في داخل البلاد وللاطراف الدولية وفق سياسة وقواعد الخديعة، أنه لو سقط هذا النظام سيكون الموقف اكثر خطيرا مما هو الآن. ولاثبات هذه الخدعة يضرب مثل العراق وسوريا... غير ان عدم الاستقرار في هذينالبلدين هو حصيلة مباشرة للاخطبوط الإيراني ووسائله وأدواته –كمحتل حقيقي للعراق وسوريا- وحالة "الصراعات اللامتناهية" الدائرة رحاها الان بالعراق وسوريا، التي خلفت دولا ممزقة مهترئة، بدعمها الميليشيات الطائفية المسلحة، وارسالها المقاتلين العسكريين وغيرالعسكريين على نحو أسفر عن ظهور دعوات تقسيم هاتين الدولتين إلىكيانات منفصلة، وتحولهما إلى ملاذ آمن للصراعات الطائفية والمذهبيةالدامية.

صحيح، من الصعب ان يكون لدينا صورة واضحة عما سيحدث بعد اسقاط هذا النظام في إيران، غير ان هناك حقيقة جلية واضحة تفرض نفسها... وهي توافر البديل الوطني الذي يحظى بشعبية واسعة وشاملة وعلى وقع انضباط تنظيمي قوي جاهز وقادر ان يتدخل في أي نقطة واي لحظة مناسبة، مع استطاعته ان يبحر ببوصلة الاحداث نحو الاتجاه الصحيح. 

وأنا اذكر هنا، انه عندما حدثت ثورة في إيران في عام 1978 وسقط نظام الشاه محمد رضا بهلوي، لم يكن يتجاوز عدد مجاهدي خلق المئات، ولم يكن عدد «الاعضاء» في هذا التنظيم يتجاوز العشرات. غير ان هذه القوة وبفضل قيادة مسعود رجوي قائد المقاومة الإيرانية استطاعت وفي غضون عامين ونيف ان تصبح أقوى قوة معارضة للنظام، وكان النظام يترنح ويكاد ان يسقط في اكثر من مرحلة بفعل مجاهدي خلق. فكيف الحال اليوم، وقوات المقاومة الإيرانية تنتشر في انحاء إيران والعالم كما ونوعا، وهي اليوم اقوى بمئات الالاف من المرات من ذي قبل، فهم يمثلون ذخيرة الشعب الايراني، ولديهم الامكانيات القادرة على ايصال سفينة هذا البلد الى شاطىء الامان، بعد اعوام رهيبة من الرعب والعنف والالم والمعاناة. وان هذا اليوم منا ليس ببعيد.

* خبير استراتيجي إيراني يقيم في فرنسا

[email protected]