منذ البداية وضع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أسس فلسفة عميقة في التعامل مع تضحيات شهدائنا الأبرار، حين وضع مبدأ "عظم الرقبة" كأساس للنموذج الاماراتي في ترسيخ مفهوم "المواطنة"، حيث قال سموه وقتذاك لذوي أحد الشهداء الأبرار "أخوك (الشهيد) وانتووعيالكم كلكم عظم رقبة"، وبالأمس قال سموه "عندما نفخر بشبابنا، فإن شهداءنا يأتون في الصدارة لعظيم ما قدموه لوطنهم وأهلهم، معبرين عن أصالتهم وقيمهم التي توارثوها عن سيرة آبائهم وأجدادهم الحافلة بالعطاء والولاء والانتماء لهذه الأرض الطيبة"، فقد حرص سموه على تأكيد حق الشهيد، معتبراً إياه "فخر الشباب" وأن هؤلاء الشهداء الأبرار في صدارة من تفخر بهم دولتنا لما قدموه من تضحيات.

قلت في مقال سابق لي أن فكرة أو مفهوم "عظم الرقبة" يمثل "أحد معايير القيادة الإماراتية في التعبير عن شعورها بمواطنيها، بل هو أساس النموذج الإماراتي في ترسيخ مبدأ الموَاطنة" فهو الأساس الذي تقوم عليه العلاقة بين الدولة ومواطنيها، وهي علاقة قائمة على رباط لا ينفصم، فالقيادة لا تنظر إلى الشعب بمعيار سياسي نظري بحت، بل تنظر إليه بمعيار أسري وعائلي نابع من فكرة "عظم الرقبة"، سواء في مستويات القربى أو على مستوى الانتماء، ودرجات الارتباط التي لا تتوافر سوى بين الأهل وذوي القربي.

قلت أيضاً أن مفهوم "عظم الرقبة مصطلح محلي يدرك مغزاه جيداً من عاش وسط أبناء الإمارات ولامس التلاحم بين الشعب والقيادة، والترابط السياسي والاجتماعي الذي يتجسد في مجالس الحكام وأولياء العهود"، ولم أكن أضيف جديداً للواقع الذي نعيشه جميعاً في دولتنا، التي يحاول الحاقدين والأعداء تشويه صورتها الذهنية البراقة، والإساءة إلى مسيرتها التنموية عبر ادعاءات واهية وإساءات يدرك الجميع مدى تهافتها وكذبها.

هذا التلاحم الشعبي الرائع الذي تجسده وتظهره تضحيات الشهداء هي أحد مقومات الخصوصية والاستثنائية في النموذج الاماراتي، فالقيادة التي تبعث بأبنائها ليتصدروا صفوف الدفاع عن الحق جنباً إلى جنب مع بقية شباب الوطن، هي قيادة صادقة مع نفسها، ولا تخفي شيئاً عن شعبها، وتؤمن إيماناً تاماً بعدالة قضاياها وبالمساواة التامة بين الجميع في الحقوق والواجبات.

تفاعل جميع أبناء شعبنا وأعربوا عن حزنهم حين عرفوا بخبر إصابة سمو الشيخ زايد بن حمدان بن زايد آل نهيان، في حادث سقوط الطائرة الذي راج ضحيته أربعة من خيرة أبناء الوطن، ولكن لا أحد فوجئ بوجود سموه ضمن القوات الإماراتية، فالجميع يدرك أن أبناء الشيوخ يشاركون بفعالية في الدفاع عن الحق والشرعية في اليمن، وأن هناك العديد من الشيوخ ذهبوا لأداء دورهم الوطني، ومنهم سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان ومنصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، وذياب بن خليفة بن حمدان آل نهيان، ومحمد بن حمد بن طحنون آل نهيان، ومحمد بن سرور بن محمد آل نهيان، وشخبوط بن نهيان بن مبارك آل نهيان وأحمد بن سعود القاسمي قد شاركوا جميعاً ضمن القوات الإماراتية في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وأصيب البعض منهم في عمليات عسكرية، شأنهم شأن كل شاب إماراتي يضحي بكل غال ونفيس في سبيل رفعة شأن الوطن.

هذا التلاحم بين القيادة والشعب، يعكس قناعات متجذرة لدى قيادتنا الرشيدة، ويؤكد أننا دولة أفعال لا أقوال، وأن حكامنا يفعلون ما يقولون، وأن هذه الأرض الطيبة تتوارث القيم والمبادئ، القائمة على قدسية العمل الوطني والدفاع عن الحق والعدل، وأن مشاركة

الجميع في الدفاع عن الوطن وخدمته شرف للجميع، فلا فرق بين أبناء الوطن الواحد، فالكل ينتمون لهذه الأرض، لهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات، وهي مدرسة الحكم الرشيد، التي أسسها القائد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ويمضي على خطاها ويلتزم نهجها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله.