يتركّز دور الإعلام الكوردي في غربي كوردستان بالدرجة الأولى على مسألتين حسّاستين وجوهريتين هما (التعريف بالقضية الكوردية وتوعية المجتمع)، لكن التأثير الفعّال الذي يحققه أدوات الإعلام التقليدية والحديثة قد يساهم بشكل كبير في تشكيل البناء الإدراكي والمعرفي للمجتمع الكوردي «المتحزّب أولاً والقومي ثانياً!!»، ويساهم هذا البناء في تشكيل رؤية الأفراد أو الجماعات تجاه قضايا متنوّعة، والقدرة على تحليلها واستيعابها، لاتخاذ السلوك المناسب حول حلّ هذه القضايا التي تحوّلت إلى حالة تعقيدية تعجيزية، وقد يكون تأثير الإعلام في بعض الاحيان قوياً جداً وقادراً على توجيه نمط سلوكي وثقافي واجتماعي محدّد، كإعلام PYD الذي يعمل ليل نهار على توجيه المجتمع نحو مشاريع غير كوردية والتي تتغيّر كلّ عام أو عامين بأسماء وشخصيات مختلفة «باتت هدفها الأول من تغيير هذه المشاريع لإلهاء الشعب والمواطنين عما سيحدث في الخفاء مع الأنظمة المشبوهة من خلق فوضى وشراء معارك»، وليثور ضدّ خصومه السياسيين ووصفهم على الشرائط والعناوين الإخبارية بصفات غير إنسانية وتوجيه اتهامات ساذجة لهم، والترويج والتلاعب بمشاعر المتلقيّين بفتح علاقات الوحدة الوطنية مع العرب الملطّخة أيديهم بالدم مع جبهة النصرة وداعش وغيرهم ضد الكورد، وتخوين كل كوردي لا يتفق معه، والتعتيم على تجاوزاتها الأخلاقية والإنسانية وخروقاتها السياسية والمجتمعية. 

أما إعلام ENK.S فيوجّه المجتمع نحو تفعيل الهوية الكوردية والاهتمام بالثقافة واللغة بإمكانيات قليلة مخجلة «هي تملك المال والطاقات. فلماذا لا تستخدمها في سبيل الدفع بدورها نحو تحقيق ما يريده مؤيدوه منه؟»، ورفض فكرة الاقتتال الكوردي الكوردي ومحاربته، وتطوير العلاقات مع إقليم كوردستان سواء بالتبعية أو التطبيع، والتمسّك بمعارضة عربية أثبت فشلها وتخييب آمال السوريين، ولا تعترف بالقضية الكوردية وحقوقها الشرعية «ولن تعترف بها»، وبالمحصلة يخرج غالبية أنصار هذين الفصيلين الكورديين مع بعض المحايدين من النمط الفكري والمجتمعي والسياسي. وما يزيد أكثر في تشويه تاريخ التيارين أو المرجعيتين لأبناء غربي كوردستان هو سوء اختيار مَن يمثلهما من شخصيات مستقلة وأحزاب ومجالس سياسية في إدارة شؤون المجتمع والظهور اللائق والمسؤول على المنابر الإعلامية وممارسة الصلاحيات الممنوحة لهم في المحافل الدولية بشكل إيجابي وهادف، والقصة واضحة وليست مبهمة «هل من حلّ يزيل عن الكورد هذا التعنّت الفكري الديمقراطي والتشبيح السياسي؟ هل من إمكانية للتدارك؟».

يمتلك منظومة حزب العمال الكوردستاني المعروفة منذ نشأتها في الأوساط الاجتماعية والسياسية باسم «الآبوجيين» ماكينة إعلامية ضخمة ومخيفة، تتراوح ضخامتها بين العشرات من القنوات والراديوهات الإخبارية، أكثر من خمسين صحيفة ومجلة، والمئات من المواقع الالكترونية العلنية والسرّية والوهمية الناطقة باسمها لترويج مشاريعها وتوجيه الناس وإقبالهم على سياساتها وتخوين كل طرف يعاديها، وينحصر بحالته المخيفة بخلق الفتن ونشر الأكاذيب وتشويه نضالات الحركة الكوردية السياسية ومحاربة المشاريع الكوردية بإظهار مشاريع لا تخدم الكورد بأي شيء، فيما المجلس الوطني الكوردي لا يملك – منذ تأسيسه وحتى الآن – إلا موقعاً واحداً بقرار من مؤتمره الثالث، على خلاف أحزابه التي تمتلك الإذاعات والمواقع والصحف والمجلات الحزبية الكثيرة والآلة الفيسبوكية الافتراضية، وهي – اعتقاداً من الناس – أنها تناضل تحت راية المجلس الوطني الكوردي، فرواتب الإعلاميين الآبوجيين الذين يتقاضونها من مراكزهم ومؤسّساتهم تتعدّى لأكثر من 400 دولار أمريكي شهرياً «باعتقادي رواتبهم أكثر من ذلك، لكون المنظمات الدولية تمارس عملها من خلالهم، ولأن كل مقدرات والمنافذ الحدودية للمنطقة الكوردية بأيديهم»، أما رواتب العاملين في المكاتب الاعلامية للمجلس الكوردي قد تصل من (20 – 30) ألف ليرة سورية، فيما رواتب أعضاء المجلس وأمانتها العامة تتعدّى لأكثر من 500 دولار أمريكي للعضو الواحد شهرياً، إن لم يكن أكثر من ذلك، بحسب بحث واستقصاء عملت عليه واستفسرت عنه، ولأنني كنت سابقاً عضواً في المجلس، لذا فأنا أدرك ما يجري في أروقتها السرية وخاصة ما يدور تحت الطاولات «كيف يتم صرف الميزانية المالية على مكاتب إعلام المجلس الوطني الكوردي، ولا زال الموقع يُدار بإمكانيات ذاتية؟»، إذاً الجميع يدرك من أين تأتي ميزانية المجلس الوطني الكوردي ومَن يموّله، لكنهم لا يدركون عن كيفية تصريف هذه الميزانية ولمَن تتم صرفها وما المشاريع التي تنفّذ من خلالها؟! 

السؤال المهم الذي يطرح نفسه: «لماذا كلّ من المواقع (يكيتي ميديا، كوردستريت، روجآفا نيوز) هي الأكثر انتشاراً لدى الرأي العام، في حين موقع المجلس الوطني مهمّش بشكل كبير، مقارنة بالمواقع الحزبية وبماكينة الإعلام الآبوجي؟!»، لعلّه سؤال مهم وصريح ولم أقصد به أي غايات تشهيرية أو تجريسية أو تخوينية لأيّ طرف، بقدر ما أريد كشف الحقيقة ومحاربة الفساد والفاسدين ونقد المقصّرين، لأني أرى أن هناك الآلاف من الكورد سألوا أنفسهم هذا السؤال السهل والمعقّد في نفس الوقت، فموقع يكيتي ميديا الذي ينقل انتهاكات PYD لحظة بلحظة للرأي العام قبل أي خبر آخر، وهو الناطق الرسمي لحزب يكيتي الكوردي الذي يرأسه إبراهيم برو رئيس المجلس الوطني الكوردي، وكوردستريت ناطق باسم تيار المستقبل الكوردي ويصف نفسه بأنه “ويكيليكس الكورد!!“، لكونه ينشر وثائق وتقارير سرية عن الشخصيات والأحزاب السياسية عندما تقتضي مصلحتها ذلك، فيما روجآفا نيوز فهو ينطق بشكل سرّي لصالح الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا ويروّج لكلّ سياساته وتوجّهاته، أضف إلى ذلك نشرة (ARK TV) على قناة زاغروس، والتي هي ناطقة بكل أعمال ونشاطات PDK.S بشكل سريّ أيضاً، فرغم كل علاقات التواصل والتفاعل الكبيرة للمجلس بالشخصيات والجهات الكوردستانية والعربية والأجنبية، إلا أن غالبية الحوارات التي تم إعدادها ونشرها في الموقع هي مع الشخصيات الحزبية المؤيدة للمجلس وأعضائها، وبهذه الحالة فلن يتطوّر الموقع وسيبقى مشلولاً شكلاً ومضموناً، وبذلك سيكون غائب إعلامياً لكل ما يجري ويخطّط في اجتماعات الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض وجنيف وآستانة. 

هناك مَن يقول أن بعض العاملين ضمن المجلس والذين يتقاضون رواتب خيالية يقفون كالصخرة في وجه دعم المكتب الإعلامي ومساعدة النشطاء العاملين فيه، ويرفضون تمويله وتطويره بشكل يليق به كباقي المؤسّسات الإعلامية التي تناضل لأجل قضاياها ومشاريعها، بحجة أن المجلس لا يملك ميزانية كافية وغير قادرة على صرف أجور العاملين في حقلها الإعلامي، فيما هناك رواية أخرى تؤكد بأن أصحاب البطون الكبيرة من الأحزاب يسيطرون على كل منافذ المجلس ومقدّراته، ويتلاعبون بمصيرها وبمصير الأحزاب الأصغر منهم شأناً وشعبية، ويوجّهون المجتمع ليتماشى مع سياسات أحزابها، مشيرين بذلك إلى حزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا «لمَ إعلام المجلس يُستثمر بهذا الشكل المخجل؟» 

مختصر ما أودّ قوله، أنني لست في مكان يتحتّم بي أن أشهّر بأصابعي وقلمي وأخوّن المجلس الوطني الكوردي وأمنح صفة (وطني شريف) للشريك المختلف معه، والعكس الصحيح، فما أردت إيصاله للقارئ هو ضرورة أن يتم صرف الميزانية المالية اللازمة للمكتب الإعلامي للمجلس، ليعيش منه الإعلامي، وليلعب دوره الصحيح في توجيه الكلمة السليمة والمسؤولة للمجتمع الذي به قد يحصل على التوجيهات غير المعفّنة والمسمومة بأفكار التحزّب المهترئ وتقديس القادة والتهليل لكلّ ما هو مُفسد وفاسد وتعمية الخروقات والتنازلات، «ما الفرق بين الإعلامي الذي يعمل في الخنادق، هنا أقصد ضعف وضعه المعيشي، الاعتقالات بحق الإعلاميين، عدم توفر العدّة اللازمة له، انقطاع الكهرباء الدائم، ارتفاع أسعار الأنترنت وضعف سرعته، والإعلامي الذي يتنزّه في أرقى الفنادق، من حيث حصوله على كل مستحقاته المالية، وفخامة العدّة، والانترنت الجيد؟»، فالتحزّب السياسي وتراجع دور الكوادر المحترفة وغياب التنسيق الإعلامي وحملات التشويه وتعتيم الحقائق فضلاً عن غياب الموضوعية وفقدان المصداقية وانحرافات الصحفيين في المسائل والقضايا المصيرية تعدّ من أبرز السلبيات والنقائص التي يعاني منها الإعلام الكوردي، إذاً لا بدّ من سبيل يفضي إلى تطبيق استراتيجية إعلامية موحّدة ومنظمة بفعالية، قادرة على لعب دورها التاريخي وخوض معركة الكلمة والفوز باستحقاقات المرحلة الراهنة، هنا أسأل سؤالي الأخير: «أينهي المجلس الوطني الكوردي أعماله السياسية ويتوقّف على هذا النحو من الاستراتيجية الغائبة المتشرذمة والإعلام الفاشل الفاسد والأداء الدولي المخيّب للآمال والطموحات الكوردية، أم يجدّد نفسه بتعيين الشخص المناسب للمكان المناسب وازدهار مقاعده بالطاقة الشبابية؟».

إدريس سالم
كاتب وصحفي كوردي