بالرغم من الاصرار الذي يبديه السيد مسعود البرزاني لاجراء استفتاء حق تقرير شعب كردستان العراق لاعلان الدولة الكردية، الا ان بوادر التراجع واحتمال تأجيل العملية بدأت تطفو الى السطح لاسباب سياسية وقانونية وفنية ولضغوطات عراقية واقليمية ودولية عديدة تتعرض لها الاقليم بشدة، وعلى ما يبدو فان القيادة الحزبية الكردية البعيدة عن الحكمة والحكم الرشيد بدأت بالتهيوء لذلك من وراء الكواليس وبصورة غير مباشرة، ومن المتوقع ان يتم الاعلان عن التأجيل خلال أيام او ساعات قبل موعد اجراء التصويت على الاستفتاء في 25\9، والاسباب التي تقف وراء ذلك هي ما يلي:

(1) المرسوم الرئاسي المرقم (106) في 8\6\2017 المتضمن قرار اجراء الاستفتاء بتاريخ 25\9\2017 باطل وغير قانوني، وذلك لان قانون رئاسة الاقليم رقم 1 لسنة 2015 لا يسمح بذلك ولا يحتوي على نص تشريعي متعلق بالاستفتاء وبالخصوص فان الاخير غير وارد تماما في نص البند ثانيا من الفقرة أولا من المادة (10) من القانون الوارد اعلاه، والنص مختص فقط باجراء الانتخابات العامة للمجلس الوطني، وحتى انتخابات رئاسة الاقليم غير واردة في نص المادة.

(2) اعلان المفوضية المستقلة للانتخابات والاستفتاء ان عديد المراجعين المشمولين بالتصويت لتدقيق اسمائهم في سجلات المفوضية بلغ 110 الف ناخب من مجموع 3 مليون و220 مواطن مشمول بالتصويت، وهذا الاقبال الضعيف جدا على تدقيق الاسماء للمشاركة في سجل الاسماء دليل على ان الرغبة الشعبية والجماهيرية مفقودة او قليلة جدا و لا تصل نسبتها الى 3.5% حسب الارقام الرسمية المعلنة للمفوضية.

(3) بدأ مسلسل تنازل البرزاني عن الشروط التي اعلنها للتأجيل خلال اتصال وزير خارجية الولايات المتحدة معه ومباحثات وزير الدفاع الامريكي مع القيادة الكردية، فقد اعلن وقت ذلك في حالة توفر ضمانات امريكية او دولية يمكن للاقليم تأجيل العملية، وبعد ذلك تم خفض مستوى هذا الشرط وأعلن برلماني من حزب البرزاني عن احتمال تأجيل الاستفتاء اذا قدم طلب رسمي بذلك، وهذا يعني ان الضغوطات وسلسلة التنازلات ستزداد لاحقا، ومن المحتمل ان ينتهي الموقف بمشهد قد لا يسر القيادة الكردية، وبالتالي سوف لا يقدم اي ضمان ولا اي طلب رسمي وسيتم اجبار سلطة الاقليم على تأجيل عملية الاستفتاء.

(4) تأكيدات الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة البرزاني على ضرورة الاستعجال بتفعيل برلمان كردستان مع حركة التغيير والاتحاد الوطني الكردستان، ويبدو ان الهدف من هذا هو احتمال اصدار قرار التأجيل من قبل البرلمان، وذلك لحفظ ماء وجه البرزاني والخروج من أزمة الاستفتاء الانفعالية التي افتعلها بأقل الخسائر السياسية.

(5) حث وتشجيع الوفود الأجنبية الزائرة لبغداد واربيل على مستوى وزراء خارجية ودفاع الدول الحليفة والصديقة للعرااق على اجراء مفاوضات جادة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم لبحث الخلافات والمشاكل العالقة وحلها وفق الدستور وتلبية مطالب القيادة الكردية.

(6) امتناع المجموعتين العربية والتركمانية وعدم اقناعهما من قبل الاطراف الكردية السياسية في مجلس محافظة كركوك عن التصويت لشمول المحافظة باستفتاء الاقليم، قد تدفع الى التشدد في الموقف وتدخل اطراف اقليمية بهذا الشأن بسبب الامتدادات المتداخلة للمجموعتتين مع الاطراف والدول الاقليمية في المنطقة، وغضب الرد التركي على قرار مجلس كركوك قد يؤثر على العملية، وكذلك الرفض الرسمي للحكومة الاتحادية يشكل عامل ضغط جديد على دعوة اربيل للاستفتاء.

(7) تقدم الحكومة الاتحادية بتشجيع ودعم من السيد حيدر العبادي والتحالف الوطني العراقي بمقترحات جديدة وجادة لمناقشة المشاكل والخلافات العالقة بين بغداد وأربيل لدراستها والتفاوض عليها لايجاد الحلول العملية لها وخاصة المادة (140) من الدستور الدائم المتعلقة بكركوك والمناطق المتنازع عليها لتحديد الحدود الادارية في المناطق المشمولة بذلك، ووضع العلاقة بين بغداد واربيل على مسار جديد.

(8) بروز المشاكل والأزمات والاختناقات الاقتصاية التي لها حضور أساسي وحيوي على حياة ومعيشة مواطني الاقليم، وظهور بوادر استغلال التجار والمسؤولين الفاسدين المارقين بالاقليم، وذلك من خلال التحكم بالاسواق وعرض وطلب المواد الغذائية والسلع والحاجات الرئيسية في حياة المواطنين، وزيادة الاسعار كما تشتهي النفس الأمارة بالسوء لأهل السلطة الفاحشة بالاقليم.

(9) فشل الدعوة التي اقدم عليها البرزاني لاعلان الاتستفاء، وعدم توفر البنية التحتية والخطط الاولية والاستراتيجية اللازمة للتنفيذ وادامة العملية، وعدم توفر الأرضية السياسية بين الاحزاب الكردية وعدم توحد قرار البيت الكردي، اضافة الى الفشل الذريع في العلاقات الدبلوماسية والاقليمية والدولية لرئاسة وحكومة الاقليم لتسويق مشروع الاستفتاء والاستقلال.

(10) التذبذب السياسي المتعمد لحزب الطالباني الاتحاد الوطني الكردستاني بين الدعم والتأييد وبين الرفض وعدم اللحاق والتسليم بركب حزب البرزاني، وذلك بسبب ضغوطات اقليمية ايرانية لابعاده عن العملية، واضافة الى حسابات سياسية وأمنية وعسكرية متعلقة بتركيا حول حزب العمال الكردستاني، حيث تتعامل أنقرة باتجاه سلبي جدا مع الاتحاد الوطني ومع منطقة نفوذ حزب الطالباني.

(11) كشف الاوراق والنوايا والدوافع التي تقف وراء دعوة البرزاني للاستفتاء، حيث تبين ان اغلبها شخصية وحزبية وعائلية، ولا تنم عن وطنية حقيقية، خاصة وانها تتسم بالسطحية والسذاجة، ولا تستند الى خطط وأساسيات استراتيجيات سياسية واقتصادية ومالية لتحقيق امنية الاستقلال للشعب الكردستاني.

(12) غياب المشاركة الكردية الشعبية والجماهيرية في الدعوة، وتصريحات وادعائات القيادة بان الاستفتاء قرار عائد للشعب هراء فارغ وكذبة خادعة، لان اصل الدعوة وقرار العملية صدر باجتماع حزبي لا يتمتع بالسند القانوني ولا يحمل اي صفة شرعية، ونص المرسوم باطل، وغياب الدرااسات والبحوث والاستشارات الاكاديمية والتشريعية والاستراتيجية ومنظمات المجتمع المدني عن دعوة الاستفتاء، وافتقارها الى مشروع وطني سياسي من جميع جوانبها، وعدم استنادها الى توافق سياسي بين الكتل االبرلماننية او بين الاحزاب االكردستانية.

هذا باختصار أهم الأسباب والمبررات التي تدفع بدعوة الاستفتاء الكردي الى الالغاء او التأجيل بسبب افتقار قيادتها الى الشرعية والسند القانوني وغياب العقلانية والمنطق السليم والتفكير السيااسي الاستراتيجي، والضرورة الوطنية تستدعي من الاحزاب الكردستانية والبيت الكردي وضع خارطة طريق للاعلان عنها مع اعلان بيان التأجيل لوضع القاعدة والارضية المناسبة من جميع جوانبها القانونية والدستورية والسياسية والاقتصادية والأمننية والاجتماعية لمشروع الاستفاء واستقلال شعب كردستان العراق، ولا بد من تأمين توافق سياسي بين الاطراف لاعداد الخارطة الاستراتيجية والتشارك عليها لتقديم ضمانة مستقبلية وطنية الى شعب الكرددي لتحقيق حق تقرير المصير بسلام وأمان وفي ظل تعايش مدني وسلمي انساني مع العراقيين ومع جميع شعوب ودول المنطقة، "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ"، ومن الله التوفيق.

(*) كاتب وصحفي