(ماذا يفعل أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري) هذه هي مقولة الشيخ (تقي الدين أحمد بن عبد الحليم المعروف بــ ابن تيمية)*، هذه المقولة تنطبق اليوم على اصحاب الاقلام الحرة في الشرق الاوسط بشكل عام والتي تقف بوجه السلطات والحكومات والاحزاب الفاسدة وتدافع عن الحق وتحارب الظلم والفساد ولا تقبل المساومة والتطبيل والتهليل والتزمير كبعض أقلام الربح والمتاجرة والتي تعتمد في كتاباتها على الزحف وتمجيد اصحاب الجاة والمال والسلطة من اجل الاسترزاق والحصول على بعض الامتيازات البائسة باسم الولاء للوطن والدفاع عنه. 

ان هذه الاقلام الصفراء التي تبدل لونها متى شات وكيفما اقتضت الضرورة ، ليس فقط لاتستحي وهي تعلم علم اليقين انها مأجورة بالمال العام ومتطفلة ومنافقة ومزيفة وانما تتهم في الوقت نفسه اصحاب الاقلام الحرة زورا وبهتانا، تتهمهم ( باللاوطنية والعمالة ) وتنعتهم باسوء الالقاب وتهددهم بالقتل كما يهددوني على ما اكتبه من حقائق دامغة وانتقادات نابعة من حرصي على وطني وشعبي، حيث كتب لي قبل ايام احد المعلقين تعليقا على مقالي ( اكراد المالكي ) والذي نشر في ايلاف في 24 اغسطس 2017 قال نصًا: ( سكتوه وخلصونا من ضجيجيه انا اتبرع بطلقة واحدة فقط) تصوروا معي، كم كان سخيأ هذا الشخص الذي تبرع بطلقة واحدة فقط لإسكاتي والى الابد...؟ 

اتذكر جيدا عنما قال لي والدي قبل( 39 )عام بالتمام والكمال: مادام هناك نهب للأموال وقتل للمدنيين وخراب في الخدمات والفساد وعدم المساواة و الغبن والاضظهاد، لا ترضى ان يقفلوا فمك ويسرقوا صوتك ويسلبوا منك انسانيتك، واعلم جيدا ان للخيانة وجوه كثيرة، أكثرها جرما ودناءة خيانة ( الكلمة والسكوت عن قول كلمة الحق ).

ومنذ ذالك اليوم الذي دفع والدي حياته ثمن عدم صمته امام اعتى دكتاتورعرفته العراق والمنطقة برمتها، وعدت نفسي ان اكون مريدا للحق ومدافعا عن كلمة الحق مهما كلفني الامر. 

رغم الاتهامات والتهديدات المستمرة والقبيحة التي تهدف إلى إسكاتنا، لابد لنا ان نستمر و نعترض ونقف الى جانب المتضريين و الشرائح الفقيرة والمعدمة من خطة الاصلاح الاقتصادي الفاشلة في الوقت الذي تعلو فيه صيحات المواطنين في اقليم كُردستان احتجاجا على تاخر رواتبهم و انتشار الفقر والتضخم والغلاء المعيشي والتقشف والادخار الاجباري ومحاولة بيع جزء من الممتلكات العامة الى القطاع الخاص ومنها قطاع الكهرباء والصحة والتربية والتعليم والطاقة والبلديات وغيرها من القطاعات العامة والتي تعد جزءاً من الثروة الاقتصادية للمواطنين في الإقليم.

نعم، من واجب اصحاب الاقلام الحرة والوطنية ان تستمر في نضالها بكلماتها واقلامها وافكارها، لان الفساد بكل اشكاله وانواعه لم يعد للركب فقط كما كان ، بل طال الأعناق، وان مظاهر الثراء الفاحش في ( مدن الإقليم ) تخفي وراءها ظاهرة الفقر والعوز والبطالة التي يعاني منها الشعب المغلوب على امره. 

قلنا وقلنا، ومازلنا نقول: أبتعدوا عن الهنجمة والإنتماءات الحزبية الضيّقة والاساءة للاخرين والشخصنة والتجريح واستغلال قضية الشعب لتصفية حسابات شخصية وركزوا على قضية الشعب والوطن والقضايا الجوهرية والشاملة بحياة الانسان وتقدمه ونموه واستقراره بدلاً من الإنجرار إلى منزلقات خطيرة ومهاترات تضر ولا تنفع، وركزوا على النهوض بالإقليم وحل المشاكل التي قامت الانتفاضات الشعبية من أجلها مثل البطالة والفقر وتردي المستوى المعيشي وعدم المساواة والظلم وقلة الخدمات والفساد وقمع الاراء. 

قلنا وقلنا، ومازلنا نقول: ان غالبية الفاسدين الكبار من ( الحيتان والغيلان ) في إقليم كُردستان، يتمتعون في شكل أو آخر بحماية وحصانة سياسية وحزبية ، والاكثر من هذا، ان انتشار مظاهر المحسوبية والرشوة والاستيلاء على المال العام وصلت إلى مستويات قياسية خطيرة جدا ، وان الوثائق الرسمية الصادرة من الجهات الدولية تثبت بأن الفساد الإداري والمالي وهدر المال العام ونهب ثروات الإقليم، من قبل كبار المسؤولين والحكوميين، هي الأسباب الرئيسية للأزمة التي يعانيها شعب الإقليم وخاصة بعد ان هيمنت( الاحزاب والاسر الحاكمة ـ بدون استثناء ) على جميع مقاليد الحكم وعلى كافة الموارد الاقتصادية في الإقليم بدءً من النفط ووصولاً لشركات استثمار العقارات والاتصالات والانترنت منذ عام 1991 الى اليوم ( راجع البرقيات المنشورة في موقع ( ويكيليكس) والصادرة عن وزارة الخارجية الاميركية في 16 شباط ( 2006 ) بعنوان: ( CORRUPTION IN THE KURDISH NORTH). 

اخيرا: من اجل ان يبقى صوت الصحفي مدويا، ومن اجل الدفاع عن حرية التعبير والكلمة الحقة، وانتصار قوة المنطق على منطق القوة، ومن اجل مصلحة الشعب والوطن وعدم شخصنة القضايا، استمروا في قول الحق وتسليط الضوء على الحقائق مادام قلبكم يخفق ووجدانكم يحترق شوقا الى الحرية والعدالة الاجتماعية.والمساواة الحقيقية اعتذر عن الإطالة وأدعو الجمیع إلى سعة الصدور وتفھم روح مقالتي، فجوھرھا الانحیاز لمصلحة الوطن والشعب ودعوة للحوارالجاد بعیدا عن حرب الخطابات التشكیكیة والتھدیدات المبطنة والعلنیة والتجريح واستغلال قضية الشعب لتصفية حسابات شخصية, كما اطلب من القراء الأكارم ان يناقشوا المحتوى والفكرة المطروحة هنا بكل جدية وحيادية، واتمنى ان يبتعدوا عن الشخصنة والمصالح الحزبية الضيقة ويركزوا على القضايا التي تهم المواطنين والوطن.

(*) الشيخ تقي الدين أحمد بن عبد الحليم،المعروف بابن تيمية، وهو كُردي الاصل ، ولد سنة 661 هـ (1262م) بعد خمس سنوات من سقوط الخلافة العباسية على أيدي التتار، اُعتقل 7 مرات بسبب ارائه الفقهية والعلمية، منعت عنه الزيارة ( المواجهة ) وسحبت (كتبه وأقلامه )وترك وحيدا حتى مرض وتوفي وهو في السابعة والستين من عمره وتحديدا في عام 728 هـ (1327م). وقبل موته عفا عن كل من آذاه كما نقل عنه نائب دمشق الذي طلب منه العفو والسماح، مات ابن تيمية ولا تزال كلماته التي قالها لتلاميذه يرجع بها الصدى والذي قال لهم: ( ما يفعل أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري.. إن قتلي شهادة، وسجني خلوة، ونفيي سياحة ) . له عشرات المؤلفات والإجازات والوصايا و الرسائل التي تتضمن علوما منها (رسالة في المفاضلة بين الغني الشاكر والفقيرالصابر، الفرقان بين الحق والباطل نحو ستين ورقة، رسالة العرش ورسائل كثيرة اخرى).