الأجواء التي نعيشها اليوم في إقليم كردستان تشبه الى حد التطابق الأجواء التي سادت العراق والمنطقة أثناء أزمة الكويت وإحتلال جيش صدام لأراضي هذه الدولة، فالصورة تتكرر بتفاصيلها. وفود أجنبية وعربية تأتي وتذهب.. مبعوثين أمريكيين وإقليميين يقومون بجولات مكوكية الى مصيف صلاح الدين مقر مسعود البارزاني. مناشدات دولية وإقليمية ومحلية للإنسحاب من فكرة الإستفتاء.. ضغوط دولية وإقليمية بعواقب وخيمة لهذه العملية. تعنت البارزاني كصدام عن الإنسحاب، والنهاية ستكون مشابهة أيضا إذا لاقدر الله وإستمر البارزاني بتعنته سادا أذانه عن كل تلك المناشدات والدعوات الدولية والمحلية، والحصيلة ستكون أيضا متشابهة بدفع الشعب الثمن غاليا.

المصيبة الكبرى هي في الدكتاتورية وإستفراد شخص واحد بمصير الشعب وبالقرارات المصيرية والسياسية، فمثلما تفرد صدام حسين بالعراق وفرض نفسه كقائد أوحد الذي لايرد له قرار، أصبح مسعود بارزاني بدوره يعتبر نفسه القائد الأوحد الذي يفترض أن يتبعه الشعب وأحزابه. فكما دفع العراقيون ثمن دكتاتورية صدام من دماء أبنائهم لأكثر من خمس وثلاثين سنة، سيدفع الشعب الكردي بدوره ثمن أخطاء البارزاني من دماء أبنائه لخمس وثلاثين سنة قادمة، فالحرب باتت على الأبواب، الجيوش حشدت والمدافع تهيأت والبنادق ملئت بالرصاص.

حين تعنت صدام تجاه المطالب الدولية والعربية ورفض الإنسحاب من الكويت، كانت النتيجة صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بإستخدام القوة وتحشيد قوات عسكرية لثلاثين دولة ثم شن الحرب على العراق الذي خسر جيشه ودمر إقتصاده وقتل مئات الألوف من أبنائه. واليوم يتكرر المشهد حيث تتحشد قوات الحشد الشعبي وعصائب أهل الحق والمتطوعون العرب والتركمان بعد أن أصدر مجلس الأمن العراقي (البرلمان) قراره بتخويل رئيس الوزراء بإستخدام القوة لصد الإستفتاء..الأجواء ذاتها.

كان نظام صدام قبل إحتلال الكويت يعاني من نفس الظروف الحالية التي يعيشها نظام البارزاني من حيث العزلة وانهيار الإقتصاد وتعاظم المعارضة الداخلية للسياسات الدكتاتورية، وأراد صدام بإحتلاله الكويت أن يسوق أزماته الداخلية الى الخارج ليصرف نظر شعبه عن أزماته الخانقة، وها هو مسعود البارزاني يفعل نفس الشيء لتصريف أنظار شعبه عن أزمة إقتصاده وضعف دوره الإقليمي بعد زوال داعش وتقليل الإهتمام الدولي بنظامه.

وكما كانت هناك فرصة ذهبية أمام صدام حسين في حال إحتكم الى العقل والمنطق وإستجاب لدعوات العالم بالإنسحاب مقابل بعض الإمتيازات،هناك اليوم أيضا فرصة غالية وثمينة أمام مسعود البارزاني للتراجع عن قرارالإستفتاء والإنفصال عن العراق وهي وعود دولية وإقليمية بتنفيذ المادة 140 الدستورية المتوقفة عن التنفيذ منذ أكثر من عشر سنوات، وإعادة حصة كردستان من موازنة الدولة، وضم قوات البيشمركة الى منظومة الدفاع الوطني العراقي، وصرف المزيد من الأموال لإنهاض البنية التحتية لكردستان، وهذه الوعود لاتقدر بثمن خاصة أنها ستسهم في تحسين أحوال الشعب الكردي الذي يعاني اليوم من شظف العيش بسبب عجز حكومة الإقليم عن دفع رواتب الموظفين،وهي أفضل من تدمير الإقليم أكثر مما هو مدمر اليوم، فهل سيحتكم مسعود بارزاني الى العقل والمنطق والحكمة ويتخلى عن هذا الإستفتاء لينعم شعبه بالإستقرار والأمن والرفاه، أم سيستمر في عناده العشائري ويمضي بشعبه الى التهلكة والخراب كما فعل صداما بأزمة الكويت التي مهدت تاليا لسقوط نظامه؟. دعونا ننتظر ما ستسفر عنه الأيام القليلة المقبلة التي تعتبر نقطة مفصلية في تاريخ الشعب الكردي.