(إلى صديقي إ. أ ، مات في مدينتنا قبل أيام، كان يستحي أن يقول عن نفسه أنه شاعر، يهمس أحيانا ضاحكا، أنه " مجرد جاسوس" ) 

هذا الرجل الساهم الذاهل لا تستهن بقدراته!

إنه جاسوس لدى الناس 

تطارده جواسيس الحكومة دائما!

إنه يجوس الغابات والشواطئ ويأتي ليقول للناس بماذا تتهامس أوراق الشجر، وبماذا تغرد الطيور، وتنطق الجداول!

يكاد يحفظ عن ظهر قلب عدد أمواج البحر حين تهب العاصفة!

يسمع الموتى في قبورهم!

يلم رمادهم وقد ذرته الرياح من آلاف السنين!

يمازجه بغيوم قادمة من بحار بعيدة، ويرى الزهور وهي تصعد بوجوههم لتضيء السماء!

يرى ابعد من أي منظار على وجه الأرض، فهو الذي وصف القمر حتى رآه الأعمى، وتاه العشاق في وديانه وجباله، وأمسك بالمذنب هالي كما تمسك عجوز ذيل قطتها الهاربة!

يسمع على البعد نبضات قلوب الأطفال حين تندلع الحرب! 

يفشي أسرار الجنرالات للغربان لكي تنعق بها على الأنقاض! 

إنه خالي الوفاض دائما، يجود عليه بعضهم بكأس أو سيجارة، لكنهم حين يجالسونه يجدون قلوبهم امتلأت فرحا ودموعا!

وفي أيديهم ما هو أثمن من الذهب والجواهر؟

هو من يقودنا إلى تلك البلاد السرية المجهولة لنرى ما يجعلنا نعود أطفالا حكماء، أو شيوخا مراهقين! 

أعرفته؟

لا يهم !

تعال!

اليوم مات في منفاه، دعنا نلحق بجنازته، سيشيعونه مع الغروب إلى مثواه الأخير!