في السعودية، ينقسم الموقف تجاه المظاهرات والاحتجاجات الدائرة حاليا في إيران على موقفين. الأول هو الموقف الذي يدعو إلى التمهل في الدعوة إلى استمرار المظاهرات وتأييد إسقاط النظام الإيراني. والموقف الثاني هو المؤازر بشدة للتحركات الرامية إلى إسقاط النظام الإيراني من خلال دعم الثورة السلمية الدائرة حاليا في أكثر من 11 مدينة إيرانية بينها العاصمة.

النظام الديني الإيراني الذي أمسك بمقاليد الحكم منذ بدء الثورة الإسلامية في 1979 والداعي إلى تصدير الثورة كانولا يزال الناقوس الذي يدق أجراس الخطر على أبواب الحكومات العربية التي تناهض المشروعات الثورية الشموليةومنها بلا شك الحكومات الملكية والتي تمثل دول الخليج النطاق الأكبر منها باستثناء الموقف القطري الحالي.

ولعل ما يدعو الفريق الأول من المراقبين إلى تمثّل الحكمة والهدوء بشأن تغيير النظام الإيراني هو بسبب النظام الإيراني نفسه. فهو نظام عميق تمتد جذوره من رأس الهرم فيه إلى موظف الشرطة الذي يجوب الشوارع، وأصحاب هذاالموقف بلا شك ليس لأنهم يعيرون اهتماما كبيرا بما قد يحل بالداخل الإيراني، ولكنهم وبشكل استراتيجي ينظرون لما قد يشكله سقوط النظام من خطر على المنطقة بأسرها ومن ذلك المملكة العربية السعودية.

إن النظام الإيراني قد فقد الكثير من القيمة الدينية لدى جمهوره داخل إيران عبر قرابة 40 عاما، وهو الآن تتمركز قوته في الأذرع العسكرية التي يديرها داخل وخارج إيران.

وبالتالي: فلا يتوقع المحللون أن يمسك المتظاهرون بمقاليد الحكم فيما لو سقط النظام، وإنما المرجح أن يدير الدولة أحد الأذرع العسكرية كالحرس الثوري أو الجيش الإيراني الأمر الذي سيكون فائق الخطورة، وهو مربط الفرس في القضية برمتها.

سوف سيتحقق بذلك أن الخطر الإيراني على المنطقة سيكون بدرجة أضعاف مما لو استمر النظام الإيراني الحالي في السلطة. فالأذرع العسكرية التي تعودت على التدخل بالمنطقة العربية على الأقل خلال الخمس عشرة سنة الماضية سوف تكون متلهفة لنفس النشاط ولكن بشكل متسارع وغير مسبوق.

وسوف نشهد تغذية كبيرة للأجنحة العسكرية الخارجية التي تم إنشاؤها أو يتم تمويلها داخل العديد من مناطق الصراع الحالية في الوطن العربي.

أما الخطر الآخر فيما لو تسلم السلطة في طهران أحد الأذرع العسكرية فهو أنه سوف تزداد احتمالية الإسراع في تطوير البرنامج النووي كون العقلية الجديدة ستكون عسكرية والتي قد لا تهتم لأدنى فرصة للتفاوض حوله كما تم خلال السنوات الماضية. وهذا يعني أن الجهود الرامية لإبطاء تخصيب اليورانيوم الإيراني قد تتلاشى، وإن حدث هذا فسيعود تقدير التعامل مع الموقف النووي الإيراني إلى حقبة 2007-2012, أي أن التقدير من الدول المتضررةسيعود عسكريا على الغالب للإجهاز على المشروع النووي.

وبالنظر إلى الموقف الأمريكي، فإن الدعم لإسقاط النظام الإيراني يبدو جديا حتى اللحظة، ولكن تقدير الموقف يختلف عند الأمريكيين منه إلينا كدول جوار من بينها بالطبع دول الخليج ومصر وباكستان، وإسرائيل من ناحية أخرى. "فربما" للموقف الغربي رؤيته الاستراتيجية في إبطاء النشاط الصيني الروسي الآخذ في التزايد عسكريا واقتصاديا وسياسيا، ووجود فرصة امتداد ثورات شعبويةتمتد لتشق دول ما وراء النهرين سيلهب المنطقة التي تحيط شمالا وغربا بالصين، وجنوبا بروسيا، فمعظم تلك الدول تعاني اهتراءات سياسية واقتصادية مزمنتين وبالتالي فقد نشهد ربيعا جديدا اسمه " الربيع الآسيوي" ليشعل الجزء الآسيوي من طريق الحرير.

أما دول الجوار، فربما لها موقفها الآخر من الأزمة الإيرانية الذي سيكون على أمل ألا تجر مزيدا من الويلات للمنطقة العربية، فالبقاء على وضع سيء ومعالجته بطرق عدة قد يكون خيرا من الاستيقاظ على وضع أسوأ وبطرق علاج أقل.

وفي المجمل فهذا الرأي الذي يدعو للتمهل ودراسة الموقف جيدا هو يأخذ في شكله التقدير الاستراتيجي للموقف من الأزمة الإيرانية، بيد أن الرأي الآخر لو تم من دول الجوار فهو يأخذ في شكله التقدير السياسي للموقف.

 

عبدالله بن سعد العمري

كاتب سياسي

الولايات المتحدة