منذ 26 مارس 2015, لم أخصص مقالا منفصلا لليمن. ذلك لأن المشهد اليمني معقد للغاية أكثر مما نظن. إننا نواجه 34 عاما من فسادٍ سياسي طال البلاد حيث كانت تجارة الولاء سائدة. فالعهد اليمني البائد ظل يصرف من مخازن الأسلحة ما يبقي التيارات الموازية موالية له طوال الفترة. وحتى لا تنشغل تلك التيارات القوية به، قام العهد البائد بإشغالها هي بمنافسيها. فالحوثيون وبعض التيارات الأخرى يتلقون السلاح من نفس المصدر الذي يدعوهم في نفس الوقت لاحترام سيادة الدولة.

وعموما فلن أستطرد في تاريخ الحكومات اليمنية التي لم ينعم شعبها العظيم بما يليق به تاريخيا،فأرض اليمن حضارة وتاريخ لا تستحقان منهم هذا الظلام.

اليمن اليوم باختصار يواجه اختبارا شاملا نأمل أن ينجح فيه. وهذا الاختبار أول مواريه الجيدة هيظهور المتحدث الرسمي للتحالف العربي من جبهة نهم التي تطل على تخوم صنعاء من الشرق.

وقبل أن أشرح هذا الموقف فلا يظن القارئ الكريم أن تحرير صنعاء أمر سهل. فصنعاء هي آخر كرت سياسي للحوثيين، ولا اعتبار لمحافظة صعدة بل ولا اعتبار لأي مدينة أخرى باليمن أن تكون بيد الحوثيين إذا سقطت صنعاء. فصنعاء هي رمز الدولة اليمنية ومن يأخذها فهو البارز على المشهد.

ظلت قوات التحالف العربي والجيش اليمني يخططون أشهرا بل وسنوات منذ 26 مارس 2015 كيف يستعيدون صنعاء. واليوم باتوا على مشارفها دون خسائر بشرية فادحة. وكنت أتمنى على أولئك المحللين المبتدئين الذين يتعجبون لماذا يتأخر الحسم في اليمن! وأقول لهم إن أبجديات الحسم ليست سوى معطيات يقدرها العسكر المتواجدين على الأرض لتقييم الموقف وهذه الأبجديات لا توهب للإعلام ولا للمنظمات المدنية لأنها نابعة من العقل الذي يوجه تلك العين لتصويب البندقية في الوقت المناسب.

اليوم دلالات الحسم باتت تلوح في الأفق نتيجة الضغط الكبير على مليشيا الحوثي لتسليم صنعاء. وعلى سبيل الذكر، " فربما " أن الرئيس السابق علي صالح علم بقرب تحرير صنعاء فخرج عاصيا على الحوثي، ولكن الأمور لم تمض إلا وأعلن الحوثي مقتله بعد 48 ساعة فقط من إعلانه الخروج عنهم.

لقد تعجب الكثير من مقتل الرئيس علي صالح ولم يتنبهوا إلى هرع الحوثي إلى اغتياله فورا، الأمر الذي يقودنا إلى القول إن الحوثي يجد نفسه في صنعاء وصنعاء فقط، وأي تغيير في الأجندة الممسكة بصنعاء ستقود من الحوثي إلى أن يكون وحشا على كل شركائه وكان منهم الرئيس علي صالح.

ولذا، فالصبر والدقة هما عنوانيْ المرحلة التالية، وموضوع تأخير الحسم في تحرير صنعاء تحديدا أمر مطلوب لأن النجاح فيه سيعني انتهاء الأزمة.

وأما عن مقومات هذا الحسم الذي بات يلوح في الأفق، فأتمنى أن يعي الشعب اليمني العظيم أن ترحيبهم بالشرعية حال تحرير صنعاء لن يكفي، وإنما حرصهم عليها ودعمها وصونها بعد أن ذاقوا غيابها بسبب الحوثي هي أولى مقومات الاستقرار. فلن يكون هناك استقرار باليمن إلا بسيادة القانون النزيه الذين خرجوا من أجله منذ ثورة 11 فبراير.

وسيكون يوما عظيما تحرير صنعاء، طال غيابه أو اقترب.

كاتب سياسي

الولايات المتحدة