اصبحت قضية الفساد في العراق هي الشغل الشاغل الذي انهكالعباد والبلاد فلا هيئات النزاهة ولا المنظمات الرقابية المالية ولا السلطة القضائية أو الأمنية قادرة على وقف زحف وبائه وامتداداته ؛ فليست الادعاءات والتصريحات وارتفاع الاصوات والتهديد بالويل والثبور الاّخديعة وزرق إبر مهدئة لتخدير الشعب من اجل ان يسكت حينا وسرعان ماتستعيد اليقظة السارقة نشاطها حتى يعلو الاحتجاج مرة ثانية غير ان عوامل التهدئة جاهزة مرة اخرى وإبر المورفين تفعل فعلها لمسكنة هذا الشعب المسروق وهكذا دواليك .

حتى الان وبعد اكثر من اربع عشرة سنة من زوال الدكتاتورية بعد الغزو الاميركي الأحمق مازال اخطبوط الفساد يمارس نشاطه حتى اوقع دولتنا الغنية جدا بمناقع الفقر والعوز وما الديون الهائلة المترتبة علينا والمستلفة من صندوق النقد الدولي والتي تجاوزت 120 مليار دولار الاّ نتيجة قذارة الفساد والمفسدين إضافة الى انحدار الصناعة والزراعة والتجارة المنفلتة الغبية وتدمير الحرفية العراقية المعروفة بمرانها وحنكتها وتفكيك القطاع الخاص وهجر القطاعات والمصانع الحكومية وغلقها والاستجداء من الدول العائنة ؛ كل ذلك بسبب افاعيلالفساد الذي حطم كل شيء بما في ذلك اخلاق المجتمع وصفاته التي كانت نبيلة وأضحت الان بذيئة لا تحتمل .

اخطبوط الفساد في العراق اكثر من رهيب ومفزع وخطير باتساعه وفطنته وقد لا يساويه اخطبوط آخر في بقاع العالم بما في ذلك الدول المتخلفة او النامية ؛ فمن يظن ان مريديه ورافعي ألوية الفساد مجرد سرّاق ومالكي المليارات ومنتفعين وصانعي عقود وهمية وشخوص تنهش وتمارس اعاجيب من المحسوبيات وصانعين ماهرين للالتفاف على القانون وساخرين من الهزال القضائي ويمتلكون من الألاعيبالعجيبة الغريبة ؛ انما لايقول الحقيقة كلها فمنظومة الفساد في بلادي تمتلك من الابعاد السياسية والطائفية والاقليمية ما لايخطر على بال كل أبالسة التاريخ ، وهناك شركات متخصصة بارعة في غسيل الاموال ومصارف لها من الحنكة الخبيثة في نقل اموالنا لارصدةالسارقين دون اية عثرات قانونية او مراقبات مالية وتذهب بشفافية كاملة لاستثمارات متنوعة الى اوروبا واميركا ودول الجوار العربية مثل الاردن ولبنان والامارات العربية وغيرها ومعظم دول الجوار وغير الجوار تستقبل اموالنا بكل رحابة صدر دون اية مساءلات او عقبات تعترض طريقها من خلال وسطاء حاذقين وصنّاع مال وممتهني غسيل الاموال من رعاة البنوك لتصرف على الاستثمارات العقارية وشراء المنتجعات والجزر وتصبّ في قنوات التجارة غير المشروعة مثل تجارة السلاح وتجارة المخدرات وهناك شبكات هائلة من عوائل السارقين ومريديهم من الأقرباء والنسائب والأذيال وصبية الرؤوس العفنة السارقة ينتشرون في معظم الدول المذكورة لأن غالبية السراق يمتلكون جنسيات مزدوجة تتوزع هناك مشرقا ومغربا ولا علاقة لها بأوجاع العراقيين وهمومهم وكل مايبتغون هو امتصاص ثرواته والاستحواذ عليها .

هؤلاء كارثة العراق فعليا ويمتلكون انظمة متطورة في العمل المصرفي المتحايل ووسطاء يتوسعون هنا وهناك وفق منظومات مرتّبة بدهاء كامل ومحمية من قبل السلطة الحاكمة او بالاحرى هم السلطة نفسها وما يقال عن المعالجات القشرية الثانوية والوعود بمكافحة الفساد التي نسمعها بين الحين والآخر انما هو ضرب من التخدير والتسويف غير المقنع والحل الوحيد يكون بانتزاع السلطة السياسية من ايديهم تماما وخلو ساحتهم من السلطوية وتصفيتهم كليا ، اما ماعدا ذلك فهو عبارة حرث في بحر وطحن للماء وخدعة مظللة .

وسقوط السلطوية من الفاسدين وحدها الكفيلة لتنهي الفساد بأكمله وتطيح بالرؤوس الماسكة بخزانة البلاد ومواردها المالية الآتية معظمها من النفط وبهذا المسلك الجريء الشجاع في تعريتهم من السلطة وتدميرهم سياسيا وملاحقة كل اذيالهم قضائيا وبالتنسيق الجاد مع محاكم العدل الدولية والانتربول والمنظمات الرقابية المالية العالمية وبهذا سوف تتفكك حلقات الفساد وتنهار منظوماتهم وتتشظى قوة سلطته فتاتا حتى تنطفئ .

اما تشكيل هيئات ما يسمى بالنزاهة واعادة ترتيب كوادرها وتعديل هيكلتها وتغيير ملاكها واحداث تغييرات المنظومات الادارية في الجهات الرقابية المالية وتعديل مسارها وزيادة كوادرها وتوسيع صلاحيتها فلا تعدو كونها ذرّ الرماد في العيون وتعمية وقتية وايهام ، فما دامت السلطة العليا هي من تدير دفّة الفساد متمثلة في الكتل والاحزاب المهيمنة على الحكومة وتوعز لامتداداتها وأذرعها وأذنابها ومافياتها المنتشرين هنا وهناك فلن يتوقف الفساد ابدا إلاّ بالإطاحةالكاملة على الرؤوس المعرّشة على السلطات الثلاث فالحامي هو الحرامي نفسه ومن يبكي مع الرعية نهارا هو ذاته من يسخر منهم ليلا حينما يسهر مع ذئاب الليل الجائعة للمال والثروة .

وليدرك الملأ المغلوب على امره من شعبنا المنهوب نهبا لاحدود له اذ انكل جولة سرقة تفوق عشرات المليارات بان الساسة الفاسدين مجرمون موغلون في الجريمة الى حد الاستهتار بالشعوب واللامبالاة فيما يصيبهم من الاذلال والجوع والمهانة والاضطهاد والبطالة المفرطة التي تعدّت 35% والاسقام وسلب الاموال العامة ويتفوقون كثيرا في الاجرام على من ارتكب جناية او جنحة بحق فرد او مجموعة صغيرة وكل مايحصلون عليه من ثروات مآلها باتجاه نشر الشرور والقذاراتفي المجتمع وإشاعة المخدرات وتعميم السلاح ليكون هو المسيطر وتوسعة المليشيات وابراز العنف وتغذية الارهاب وخلخلة المجتمعات وخلق بؤر التوتر والإطاحة بالقوانين الوضعية التي تمسك المجتمعاتوصولا الى إحداث الفوضى العارمة في كل مرافق الحياة بحيث تبدو الهشاشة في كل شيء ، ففي مثل هذه الساحات ينتعش الفساد والمفسدون ويصول ويجول ويمشي في الارض مرحاً ولا من يردعه اويوقفه عند حده وهذا ما يريده الناهبون القذرون فلا شأن لهم ببني جلدتهم ان جاعوا او مرضوا او تشتتوا امواتا وغرباء ونازحين ومنهكين ومعوّقي حروب مادامت أرصدتهم وأموالهم في الحفظ والصون في بنوك أوروبا وأميركا وبقية بلدان العالم 

 

 

جواد غلوم

[email protected]