عندما صنع المخرج الأمريكي جيمس كاميرون فيلمه أفتار كان يخوض تحديا كبيرا , لأن العالم بأسره كان ينتظر الحلقة الثانية من فيلمه الأسطوري تيتانك , وكان مكبلا بالنجاح الساحق الذي حققه عمله الأول ولكنه تجاسر وخاض حقلا مختلفا تماما في سينما الخيال العلمي عبر فيلم أفتار .

 والفيلم استثمر في الطاقات الفنية الشاسعة التي توفرها أفلام الخيال العلمي ليمرر رسالة عالمية وإنسانية تلخص حكاية الاستعمار في العصر الحديث , حيث تصور الأحداث غزو دولة متقدمة تقنيا مدججة بقيم المستعمر الحديث المزهو باختراعاته وتفوقه التقني لمجتمعات بدائية بسيطة تعيش حالة انسجام وتوافق مع الطبيعة حولها .

قد يكون فيلم إفتار هو نتاج التيار الإنساني المثقف داخل السينما الأمريكية ولكنه سيضيع حتما وسط طوفان هادر من ثقافة الكاوبوي والأبيض الذكي المتفوق الذي يفتل عضلاته بحثا عن أسواق جديدة داخل العالم البدائي المتخلف.

والإمبريالية العالمية وجدت لها أرضا بكرا وشهية و واعدة للغزو ,وهي أرض العالم الافتراضي , وساحات الأفلام , وأعاجيب الشاشة وسطوتها على الأدمغة , فعندما نختلي مع الشاشة داخل تلك الظلمة المخملية الحميمة داخل قاعات السينما , العقل اللاوعي حتما لا يستطيع مقاومة الفتنة والإبهارداخل الرسائل المضمرة.

هناك لعبة الكترونية موجهة لليافعين اسمها (نداء الواجب) call of duty . ورغم إنها مصنفة فوق غلافها الخارجي 13+ , إلا إن هذا لايحجب خطرها , أو لربما تحديدا هذا هو مصدر خطرها القادم من الفئة العمرية المستهدفة من المراهقين . 

واللعبة باختصار هي تظهر مواجهة بين جيشين الأول هو الغازي يبدو متقدما تقنيا , جنوده طوال القامة مفتولي الأجساد مجهزون بخوذات متطورة وأجهزة ومعدات قتال معقدة ورشاشات سريعة الطلقات , بينما الجيش المقابل أفراده لا يبدون أعضاء في جيش نظامي بقدر ما يظهرون كميليشيا مبعثرة في حرب شوارع , بأجساد هزيلة وملامح شرق أوسطية ومعدات مهلهلة بينما خلفية البيئة التي تدور فيها رحى المعارك تظهر كمنطقة شبه زراعية يحف بيوتها الطينية النخيل , تقترب من أي قرية متقشفة في العالم العربي .

اللعبة لها شعبية كبيرة بين الشباب ومضمارها ساحات العالم الافتراضي , حيث يلعبها اليافعون من جميع أنحاء العالم سويا , وتنتقل ساحة المعارك من الشاشة إلى العقل اللاواعي , ويتم التجييش عندما يصبح الغزاة أبطالا , بينما يصبح العدو هو كل شرق أوسطي هزيل ومفخخ ويسكن قرية بدائية بيوتها من طين.

نزعة الهيمنة والاستحواذ داخل الإمبريالي لاتنحسر ولاتندمل , لكن الفرق هنا هائل وجذري لم تعد الحرب جيوشا جرارة وبارجات ورادارات , بل انتقلت إلى ساحات الأدمغة لترسم خارطة الطريق بما يتوافق مع أهدافها.