جيد ان يعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن حاجة المنطقة الى بنية امنية كما قال خلال كلمته في المؤتمر الرابع والخمسين للأمن في ميونيخ السبت الماضي معتبرا ان ذلك امر ملح وبحاجة الى تعاون روسي امريكي صيني اوربي كما أشار السيد أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة الى ان الازمات فيالشرق الأوسط معقدة ومتداخلة وأشار الى ان أي تصعيد في أي منها قد يؤدي الى عواقب كارثية طبعا دون ان يذكر ان الاجتياح التركي لمنطقة عفرين هو تصعيد من النوع الذي قد يؤدي الى نتائج كارثية!

واضح ان منطقة الشرق الأوسط بحاجة ماسة الى ما قاله السيد لافروف من بنية امنية متماسكة ومستدامة وان الطريق الى مثل هكذا بنية امنية يمر أساسا عبر إعادة النظر في الخرائط المرسومة على الرمال بعد الحرب العالمية الأولى والتي استحدثت دولا غير متجانسة لا قوميا ولا دينيا ولا ثقافيا وكان الشعب الكوردي اول وأكبر ضحايا هذه السياسة الغاشمة والخريطة الملغومة التي لم تعد فقط فاشلة ولا تتفق مع روح العصر وانما أيضا أصبحت تشكل تهديدا للسلام والامن العالمي.

ان تقسيم كوردستان بين الدول الأربعة ايران والعراق وتركيا وسوريا كان وسيبقى احد اهم الأسباب الرئيسة لعدم استقرار المنطقة وانعدام بنية امنية سليمة مع ان الدول الأربعة رغم كل ما بينها من خلافات كانت موحدة ضد إرادة شعب كوردستان وجربت كل الوسائل الهمجية والأكثر دموية ولاإنسانية للقضاء على الشعب الكوردي وصهره في البوتقة العنصرية لهذا الطرف او ذاك ابتداء من اتفاقية سعد اباد 1937 مرورا بحلف بغداد 1955 واتفاقية الجزائر 1975 وانتهاء بالعديد من الاتفاقات والمعاهدات الثنائية بما فيها موقفهم الأخير الرافض والمعادي للاستفتاء الشعبي الديموقراطي والسلمي في كوردستان الجنوبية 2017.

ان صياغة بنية امنية سليمة في المنطقة تتطلب أساسا الإقرار بحقوق الشعب الكوردستاني بما فيها حقه المشروع في إقامة دولته المستقلة والتي ستكون عامل سلام واستقرار وتعاون بين شعوب المنطقة بسبب تعمق ثقافة التسامح والانفتاح وقبول الاخر في المجتمع الكوردستاني وامتلاكه لثقافة مشتركة مع شعوب المنطقة بالإضافة الى الموقع الجيوسياسي الذي يؤهل كوردستان لتكون مانعا من احتكاك الحضارات العربية والإيرانية والتركية المتصارعة منذ مئات السنين وسيؤدي هذا الى ان تتفرغ شعوب المنطقة لحل مشاكلها الاقتصادية والمعاشية والتنموية بدلا من استغلال القضية الكوردستانية لزجها في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل ولإقامة أنظمة دكتاتورية كلفت هذه الشعوب ثمنا فادحا.

دعوة السيد لافروف وان جاءت متأخرة فالمهم ان تبدأ بالخطوة الصحيحة خطوة إعادة النظر في الخارطة الاستعمارية التعسة لمنطقة الشرق الأوسط التي لا ترتوي من دماء أبناء المنطقة للحفاظ على حدود الرمال. 

[email protected]