مع أن جماعة الإخوان في سورية ومنذ تأسيسها، كانت تعتبر نفسها جماعة دعوية لا حزباً سياسياً حسب أدبياتهم، ولكن رغم ذلك تم محاسبتهم حتى على أفكارهم وآرائهم السياسية، بل وأصدر حزب البعث العربي الاشتراكي قوانين جائرة بحق عوائل وأبناء كل من كانوا يؤمنون بأفكار جماعة الاخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا في مصر عام 1928؛ كما تم محاسبة آلاف الأبرياء لمجرد إتهامهم بالانتماء للجماعة من قبل بعض الوشاة من عوام المجتمع السوري، سواءً خوفاً من السلطة أو تقرباً منها، وذلك على حساب أوجاع وآلام آلاف الأبرياء، وبالرغم من أن عسف النظام كان محط استهجان لدى كل من يؤمن بحرية الفكر والرأي، ويناصر أبسط حقوق الإنسان في الحرية والتعبير، إلا أن بعض من ثاروا على النظام نفسه غدوا سلوكياً يضعون أخفافهم في نفس مواضع أخفاف جلاوزة نظام البعث العربي حتى هذه الساعة.
وفي هذا الخصوص لعله من باب التحاشي لمضار الحركات الجماهيرية المتطرفة والانتهاكات ابان الثورات في العالم بات كل من كتاب سيكولوجيا الجماهير لغوستاف لوبون والمؤمن الصادق لإيريك هوفر أشبه بالكتب المقدسة التي ينبغي العودة إليها كل حين، خاصة بالنسبة للشعوب أو الدول التي تعيش حالة الثورة أو الاضطرابات والنزاعات الدموية، باعتبار أن الكثير من المقاتلين المأدلجين يتحولون إلى قطعان بشرية متحركة، لا تحكمها العقول، ولا تقاربها الحكمة، ولا تستأنس بها آيات العدالة والاستقامة، إنما يكون الغل أو الانتقام هو الدافع الأبرز الذي ينطلق منه المسلح المؤدلج أياً كانت أيديولوجيته دينية أو علمانية، بالرغم من أن الأدلجات الدينية هي المسيطرة حالياً على مساحاتٍ واسعة من الدول التي تعيش حالة الصراعات الدموية.
وبما أني كنت شاهداً فترة من الزمن على ما يجري في سوريا، وعاينت وعايشت عن قُرب طريقة تعامل الكثير من المقاتلين، ولاحظت كيف يتحول بعضهم أوان الإغارات إلى قطعان بشرية مهاجمة، كحال الكائنات التي تشن غاراتها على حقول البطيخ أو كروم العنب أو مشاتل الزهور، لذا بانَ توتري بشكلٍ حاد في مداخلتي القصيرة في مؤتمر إنقاذ عفرين الذي انعقد في مدينة غازي عنتاب التركية في 18/3/2018 بالرغم من هدوء طبعي وعدم ظهور انفعالاتي عادةً إلاّ في المواقف التي تستدعي ذلك الغضب، وذلك بسبب معرفتي بهوس المقاتلين للانتقام والنيل من الآخر المهاجَم أياً كان المستهدف بالهجوم عليه، وطبعاً بعد تلقي المقاتل المحتقن عشرات العقاقير التي تحض على الاستشراس من الجهات التي تحرّضه وتقوم بتشحينه سلفاً، وتدفع له المال وتستخدمه للقتال في ميدانٍ ما، ولمعرفتنا نوعاً ما بالطبيعة التي يكون عليها المقاتل المؤدلج، والرغبة التي يبيغي تحقيقها بعض المهاجمين ومدى شراستهم أثناء الهجوم، لذا بان انفعالي في المؤتمر المذكور، والسبب لأن ثلاثة أشخاصٍ ممن سبقوني في مداخلاتهم نسيوا كل النقاط التي تفيد الإنسان المحروم من كل شيء في الداخل، وركزوا فقط على قضية محاسبة أتباع حزب الاتحاد الديمقراطي. 
وما أوردناه أعلاه يشير وللأسف إلى أن التكوين الفكري والتوجه العام لدى المواطن السوري العادي المقيم في الداخل لا يختلف كثيراً عن طريقة تفكير ذلك المعارض المقيم في بلادٍ تحترم فيه الدولة ومؤسساتها الآخر المختلف، ولا تفكر باستئصاله لأنه مختلف؛ بلادٍ تقبل الفكر الآخر، وتقبل الرأي الآخر، ولا تسعى لاعتقال الآخر لأن له توجه وفكر سياسي آخر غير الذي هو عليه، ورغم أن معظم المعارضين ينعمون في الغربة بجميع الحقوق بما فيها حرية العقيدة والرأي والتعبير، إلا أنهم عندما يتعلق الأمر بقضية ما داخل سوريا يرتكسون ويعودون في الاحتكام إلى ما نهلوه من فلسفة نظام البعث ويقتفون أثره في رفض الآخر ومحاربته؛ ودليلنا على ذلك أن ما يحدث منذ أكثر من عشرة أيام في عفرين من قبل بعض كتائب السلب والنهب، ممن يرون بأن كل ممتلكات شعب المنطقة وعلى الأخص ممتلكات أتباع أو مؤيدي حزب الاتحاد الديمقراطي هي غنائم حرب؛ بالتوازي طبعاً مع العقلية النيلية لدى المعارضين الذين لهم سنوات في الشتات، ممن يعتاشون على القيم الديمقراطية في الغربة، بينما لا يفارق ميدان أقحاف الكثير منهم ثقافة إلغاء الآخر أو نفيه أو نسفه، إذ أن نفس عقلية الإقصاء والانتقام التي عبر عنها ثلاثة أشخاص في مؤتمر إنقاذ عفرين، عبّر عنها أيضاً مسؤولون في الحكومة السورية المؤقتة في لقاءٍ مؤخر جرى بينهم وبين أعضاء من لجان مبادرة إنقاذ عفرين، حيث لمّح المسؤول بضرورة إبعاد كل من كان من مؤيدي حزب العمال الكردستاني أو مؤيدي حزب الاتحاد الديمقراطي من العودة إلى المنطقة، وعلماً أن عفرين ليس فيها أحد من حزب العمال الكردستاني، إنما فيها أتباع ومؤيدي حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو حزب سوري بالجملة، ولكنه فكرياً يتبع منظومة حزب العمال الكردستاني الأيديولوجية؛ كحال الاخوان المسلمين في سوريا ممن يحملون أفكار حسن البنا المصري.
وسؤالنا إذا كان كل شخص أحب أو مال بعواطفه أو أعجب بأفكارٍ معينة، وتم إبعاده من منطقته على ذلك الأساس، وتمت مصادرة أملاكه بناءً على حبه أو عواطفه أو أفكاره، فما الذي يميز كل هؤلاء المعارضون عن جلاوزة طاغية دمشق؟ وإذا كان الأمر كذلك أليس أولى الناس بهذا القرار وبالمحاسبة على ماضيهم العقائدي هم كل من انتسب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي؟ باعتبار أن ذلك التنظيم السياسي غدا من أكثر أحزاب بلاد الشام إجراما بحق أبناء سوريا، وإذا تم ذلك أليس من المفروض محاسبة ثلاثة أرباع المعارضة السورية قبل أتباع أو محبي أي حزبٍ آخر، وذلك باعتبارهم كانوا من الكوادر القيادية المتقدمة في حزب البعث، وجلهم ربما كانوا ولسنوات طويلة جزء من ماكينة تأليه الأسدين الأب والابن؛ ومن جعلوا من الأسد طاغية بمديحهم وتعظيمهم له. 
عموماً يظهر أن آلية تفكير رهط لا بأس به من المعارضين السياسيين في سوريا لا تختلف البتة عن آلية عمل عقل الكثير من المقاتلين في الداخل السوري؛ ومنهم ذلك المقاتل الذي غزا منطقة عفرين بمعية الجيش التركي لإزاحة حزب الاتحاد الديمقراطي التابع أيديولوجياً لحزب العمال الكردستاني، وحيث أفاد الأهالي بأنهم يحملون قوائم تضم أسماء كل من كان يعمل مع الإدارة الذاتية أو انتسب يوماً إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، أو عمل معهم ليسد رمقه، وعلى أساسه يتم اعتقالهم أو محاسبتهم، وينسى المقاتل بأنه خلال هذه العقلية التي يتعامل بها مع عوائل الخصوم السياسيين كان عليه بادئ ذي بدء أن يمسك برقاب أكثر من نصف سكان سورية، وأكثر من 80% من قوى وقادة المعارضة السورية ويعمل على محاسبتهم أو يزجهم في السجون قبل الكائن الأوجلاني الإيكولوجي، وذلك باعتبار أن جلهم من خريجي بلوكوزات حزب البعث العربي الاشتراكي، ذلك الحزب الذي يفتك بالشعب السوري منذ سبع سنوات، ولا يزال يشرعن كل جرائم طاغية دمشق إلى هذه اللحظة.