يقف الناخب اللبناني أمام لوائح الإنتخاب مكبّلاً بديكتاتورية الخيار المفروض عليه بلوائحٍ تقوّض حريتهً بإجباره على التصويت لصالح لائحةٍ كاملة قد لا يريد إيصال أحد أعضائها، لكنه باندفاعه لمرشحه، سيجد نفسه محكوماً بإعطاء صوته لصالح اللائحة كاملة، بينما سيجد نفسه عاجزاً عن اختيار مرشحٍ آخر يريد انتخابه لأنه مجبر بصوتٍ واحد على قاعدة “التفضيلي”!

قانون هجين

وأقل ما يقال في وصف هذا القانون، أنه هجين طُبِخ في دهاليز السياسة السوداء ليخالف كل أسس الديمقراطية في العالم باتخاذه النسبية قناعاً لوجهه الطائفي المقيت! حيث يضاف إلىسيئاته أنه فوق آفة تفعيله لجرثومة الطائفية في نفوس اللبنايين،فإنه يكرّس منطق الأنانية والفردية على حساب العمل الجماعي بدءاً من التحالف مروراً بالترويج للمرشحين وصولاً للتصويت!

فاختيار المرشحين كان بحد ذاته معضلةً أخذت مداً وجذراً لتنتهي بلوائح غير متجانسة في غالبيتها وتم تركيبها على قاعدة من يعطي اللائحة بمشاركته أصواتاً أكثر، فيما اضطر البعض للقبول بانضمامه إلى لائحة تُضعيِف أملهم بالفوز بمقعدٍ نيابي!

معضلة التفضيلي

وإن راقبنا اللوائح جيداً، سنرى أن بعض المرشحين اختاروا الترشح بهدف الشهرة والدعاية أملاً بتبدل القانون في استحقاق انتخابي لاحق، لعلمهم مسبقاً بأنهم لن يتمكنوا من خرق اللوائح الكبرى، بينما يبدو واضحاً أن المرشحين الأقوياء سيتواجهون بقواعدهم الشعبية حكماً بتقسيم الصوت التفضيلي! خاصةً في الدوائر الكبرى حيث يتعدد المرشحون عن مذهبٍ واحد، ما يستدعي وفاءً والتزاماً من المحازبين والمناصرين والمؤيدين بالتوصيات والحسابات الدقيقة للماكينة الإنتخابية للمرشحين، فيما تبقى النتائج غير مضمونة وفقاً لتضارب حاصل اللائحة أولاً وأحقيتها بعددية الخرق ثانياً، ثم معضلة الصوت التفضيلي!
أما الترويج للمرشحين، فمفارقة أخرى، لنرى في الدعاية الإنتخابية صورا يغلب فيها الطابع الفردي على الجماعي لأن كل مرشحٍ مرغم على أن يرفع شعار "أللهم نفسي" رغم تعاطفه وحلفه السياسي!

لقد جمع هذا القانون أضداداً وفرّق أحباء وحلفاء، وأجبر البعض على خوض الإنتخابات بلوائح تخالف قناعاتهم وطروحاتها لأنهم اضطروا للإنخراط بلائحة تلزمهم بعددٍ معين وتمنع على المرشح الإنطلاق مستقلاً فيما تحرم الناخب من شطب إسم أو استبداله بمن يريد!


المجتمع المدني ينقلب على نفسه
وها هي لوائح المجتمع المدني تُحرِج وتُخرج بعض الشخصيات من حلبة المنافسة لعجزهم عن الإنضمام إلى لائحة رغم باعهم النضالي الطويل في العمل السياسي، وفي "المجتمع المدني" الذي فضّل رواده الإنحياز لمصالح أفراده الخاصة بتحالفاتهم على حساب قناعاتهم وطروحاتهم التي نادوا بها على مدار الحملات المتتابعة! ما أدى لانقسام المجتمع المدني على نفسه بلوائح متنافسة بدلاً من إتحاده، فيما التحق بعضهم بأحزاب السلطة رغما عنه ليخالف ما أطلقه من تصريحاتٍ سابقة حول رفضه لأحزاب السلطة تحت شعار "كلن يعني كلن" الذي هاجموا من خلاله كل السياسيين!

وبينما تنهمك شركات الإحصاءات باسطلاع الآراء عبر الهاتف وبإرسال مندوبيها في زياراتٍ ميدانية إلى البيوت، يبدو المشهد واضحاً وجليا أن بعض المرشحين الذين يطلون بقناعاتٍ مخالفة لبيئتهم الطائفية لا يملكون الحظوظ بالوصول للمجلس النيابي. ذلك لأن الصوت التفضيلي سيقضى على الخيار الوطني ويرسخ الطائفية فارضاً على القاعدة الشعبية الخروج عن قناعتها الوطنية بالتصويت لمرشحٍ واحد دون أن يكون لهم الخيار الثاني لمرشحٍ آخر يحبونه ويتمنون وصوله إلى المجلس النيابي، فقط، لأنهم لا ينتمون لمذهبه الذي سُجّل على هويته عنوةً في يوم ولادته بقرارٍ لم يكن هو صاحب الخيار فيه!

اللبنانيون يترحمون على الستين!

أمام هذا الواقع، سيشعر الناخب الوطني بالمهانة، لكونه سيعاني اضطهاداً فكريا وعقائدياً بمشاركته في هذه المهزلة الإنتخابية التي أرادها أرباب العقول الطائفية وسيلة ديكتاتورية طائفية مقنّعة بقانونٍ نسبي! كيف لا وكل ناخب علماني يحترم قناعاته سيضطر لمخالفتها مجبراً على خيارٍ مذهبي؟!

وفيما يشعر اللبنانيون اليوم بابتزازهم بحقهم الديمقراطي من قبل السلطة الحاكمة بعد طول انتظارهم للمشاركة بهذا الإستحقاق الإنتخابي، نجد غالبيتهم يترحم ضمناً على قانون الستين الذي يعتبَر واحة للديمقراطية مقارنة بهذه النسبية المريضة بخبثٍ طائفي! فالنسبية قد تكون الخيار الأمثل في بلاد الأحزاب الكبرى التي يحكمها حزبين رئيسيين أو ثلاثة أحزاب على قاعدة وطنية وطروحات إنمائية لا على حساباتٍ طائفية وصوتٍ تفضيلي ديكتاتوري! بينما يُبرز التنافس حتى بين أعضاء اللائحة الواحدة تحت شعار "الغاية تبرر الوسيلة"، ما يكرّس العداءات بأنانية المنافسة للفوز بمقعدٍ نيابي!

لقد بدد هذا القانون الأمل بالتغيير رغم تبدل الأسماء والوجوه لكونه مفصلاً على قياس الزعامات الطائفية. فأجبر المجتمع المدني بالتراجع عن مبادئه، بينما تبدو مشاركة النساء في اللوائح شكلية، لأن فرص فوزهن من خلاله غير مضمونة البتة بقانون سيحرمهن من حصة الكوتا حكماً بغلبة حساباته الطائفية!

فهل سيكون الشعب اللبناني راضياً عن ممثليه حين يختار بعضهم مرغماً بفضل قانون إنتخابي مريض؟! إنه سؤال ينتظر جوابه في القريب العاجل في الإستحقاق الديكتاتوري المقبل على مستقبلٍ ضبابي!