بعد اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترمب عن نيته سحب القوات الاميركية من سوريا بعد انجاز مهمتها وهي دحر داعش, تباينت المواقف الدولية ازاء هذا التصريح والنية وسط اجواء من الخوف عما يمكن ان يحدث او يقوم به الرئيس السوري خلال حربه على ابناء الشعب السوري وذهب البعض للاعتقاد ان ترمب ربما يهب سوريا لبوتين الدب الروسي وحليفته ايران, مجانا "ليحل" عن ظهره وليتركه يستمر في ترتيباته الداخلية من اجل الفوز بولاية ثانية في البيت الابيض.

الا ان الامور لم تتوقف هنا ولم يحسم الرئيس ترمب امره نهائيا بسبب موقف وزارة الدفاع الاميركية وقادة البنتاغون الداعي الى اخذ دور ما في سوريا وعدم ترك الساحة لروسيا وايران, هذا من جهة اما في الناحية الاخرى فهناك الموقف الاسرائيلي من اللعبة السورية والذي يعتبر في نهاية الامر الموقف الاهم والحاسم بالنسبة للولايات المتحدة وللشرق الاوسط, حيث ان تغييرا ما حصل في اسرائيل بشأن بقاء الاسد على رأس النظام السوري. ففي حين سارع الاسرائيليون في العام 2003 الى ارسال كبار موفديهم الامنيين والعسكريين بمن فيهم رئيس الموساد السابق مئير دغان الى جورج دبليو بوش الرئيس الاميركي انذاك ليقنعه بعدم القيام بهجوم على سوريا للاطاحة بنظام بشار الاسد بعد استكمال اميركا احتلال العراق والاطاحة بنظام صدام حسين. هذه المره سارع نتاياهو للحديث مع ترمب بلهجة وصفت بالتصعيدية وبعدها ارسل رئيس الموساد يوسي كوهين وكبار مسؤولي الامن والاستخبارات الى واشنطن لاقناع الادارة الاميركية البقاء في سوريا واخذ دور فاعل الى جانب اسرائيل في منع ايران من التموضع بسوريا حتى وان اقتضى الامر الاطاحة بنظام بشار الاسد الذي اعتبره وزير الدفاع الاسرائيلي رأس الحربة في التمدد الايراني والتنظيمات الارهابية التابعة لها في المنطقة.

لم تمض ايام قليلة على المشاورات الاسرائيلية الاميركية السرية بهذا الشأن وربما بسبب تصريحات ترمب او لاسباب داخلية سورية قانم النظام السوري مرة اخرى باستخدام الغازات السامة ضد المدنيين الابرياء في دوما - بالمناسبة هي بلدة سورية تقع قرب العاصمة دمشق وليست في عمق اراضي العدو- مما جعل امر انسحاب قوات الولايات المتحدة من سوريا امرا مستحيلا في هذه المرحلة خاصة وان بعض قادة الجمهوريين في التلة بواشنطن انتقدوا اقوال ترمب ومنهم جون ماكين الذي قال ان تصرفات ترمب وتردده جعلت الاسد يستخدم الكيماوي مرة اخرى ضد شعبه, هذا التصريح وتصاعد قوة المحافظين والمطالبين بدور اميركي فاعل وقوي في سوريا والعالم والعودة الى لغة القوة وفرض الهيبة, كل هذه جعلت الرئيس الاميركي يعيد النظر بقراره السابق يقول مسؤولون اميركيون كبار والذين اكدوا على امر اللقاءات المكثفة بين مسؤولين اسرائيليين وكبار موظفي ادارة ترمب ومساعديه.

اسرائيل من ناحيتها استغلت صراع الدول العظمى والتصريحات المتبادلة بين واشنطن وموسكو وتحميل الرئيس الاميركي روسيا وايران والرئيس الروسي مسؤولية استخدام الكيماوي بسوريا, وقامت بعملية تصفية حساب مع الايرانيين في مطار التيفور ودمرت ما تبقى من قدرات جوية ايرانية في سوريا حيث يسود الاعتقاد ان ايران تقوم باستخدام مطار التيفور لتسيير الطائرات بلا طيار وتموضع الدفاعات الجوية التي تطورها بعد استنساخها من الصناعات الروسية والصينية وكما نشر فان قتلى وجرحى ايرانيين كانوا ضمن الغارة الاسرائيلية والتي اعلنت عنها موسكو ووصفت حيثيياتها تفصيليا في خطوة لافتة ولاول مرة منذ بدء التنسيق الاسرائيلي الروسي بشأن الاجواء السورية.

اذن اسرائيل التي انقذت نظام بشار الاسد في العام 2003 من الانهيار على يد الاميركيين لانه كان انذاك وحتى سنوات الثورة الخمس الاخيرة عنوانا لاسرائيل لكل خرق او توريد اسلحة لحزب الله ذراع ايران في لبنان واليوم تحاول اسرائيل نفسها اقناع الادارة الاميركية بضرورة الاطاحة بهذا النظام والذي اصبح رأس حربة لايران ودمية في يد الروس والتنظيمات الارهابية االمختلفة التي تسانده في حرب بقاءه على السلطة.

من ناحية اخرى تسود اجواء الحرب في سوريا وهذه المرة تقوم الولايات المتحدة بحشد تحالف يضم فرنسا وبريطانيا وربما دول عربية في الشرق الاوسط لتدمير كل المختبرات والمنشآت السورية المتعلقة بالاسلحة الكيماوية ومراكز البحوث والتطوير السورية والايرانية واهدافا عسكرية تابعة للنظام من طائرات ومطارات وبنى تحتية ومواقع ايرانية ولحزب الله والمليشيات الاخرى, لمنع النظام من اي قدرة على استمرار الحرب والقصف الجوي وابقاء الطيران الروسي مسؤولا عن الاجواء السورية في هذه المرحلة, الامر الذي سيؤدي بالتالي الى اسقاط نظام الاسد عمليا وفعليا يقول المطلعون على التحضيرات بهذا الشأن