البوابة الشرقية للأمة العربية، هکذا کان يطلق على العراق في عهد الرئيس العراقي الاسبق، صدام حسين، ولدى مراجعة أدبيات حزب البعث بنسخته العراقية عموما و أقوال و خطب صدام خصوصا، نجد هناك الکثير من التأکيد على إن إنهيار العراق و سقوطه سيجر الويلات على العرب بل وحتى عندما وقعت الحرب الايرانية ـ العراقية، فإن صدام أکد بأن العراق قد خاض هذه الحرب دفاعا عن العرب من هذا النظام الذي يتربص بهم شرا.

لماذا کان صدام يؤکد على الخطر و التهديد القادم من النظام الذي أعقب الشاه، خصوصا وإن صدام قد أکد على ذلك في حينکان الشارع العربي وقتئذ ينتشي فرحا بالجمهورية الاسلامية الايرانية و يرى في الخميني ليس مجرد عون وإنما منقذا؟ الجواب الذي يحتمل أکثر من غيره إجابة شافية هو إن الرجل کان کما يبدو يقرأ مستقبل هذه الجمهورية و يتنبأ بسوء طالعها على العراق و العرب، والذي يدعو للتأمل کثيرا، هو إن الاقلام و الالسن التي تتناول موقف صدام و حزب البعث من إيران الخميني، لا تتطرق لهذا الموقف، بل تسلط و ترکز على جوانب أخرى ليست لها أهمية و حساسية هذا الجانب.

اليوم، وبعد قرابة أربعين عاما على تأسيس الجمهورية الاسلامية الايرانية، يبدو إن رؤية صدام و البعث لهذه الجمهورية کانت في محلها تماما، إذ صارت أکبر خطر و تهديد على العراق و المنطقة، خصوصا بعد أن صارت لإيران أذرع أيديولوجية مسلحة في العديد من بلدان المنطقة وهي تتسابق في تقديم الولاء لطهران و الاخيرة تعتبرها وبکل وضوح أذرع لها بل وإنها تنظر للبلدان التي تخضع لنفوذها بأنها خطوط أمامية لها في المواجهة مع أعدائها.

الخميني و جمهوريته کانا يصفان صدام بالطاغوت و الديکتاتور القاتل لشعبه و لمعارضيه، فهل کان الخميني أکثر رأفة من صدام ولم يکن ديکتاتورا؟ وهل کانت الجمهورية الاسلامية الايرانية أفضل من نظام صدام حسين في الرفق بالشعب و الاهتمام به؟هنا أجد من المناسب جدا أن أشير لآخر تقرير صادر من منظمة العفو الدولية تؤکد فيه بأن أکثر من نصف أحکام الاعدامات في العالم خلال العام 2017, قد تم تنفيذها في إيران، ناهيك عن إن الخميني وفي فتوى واحدة له أصدر حکم الموت بحق 30 ألف سجين سياسي من أعضاء و أنصار منظمة مجاهدي خلق في عام 1988 ممن کانوا يقضون فترات محکوميتهم في السجون، وهو ماإعتبرته منظمة العفو الدولية جريمة ضد الانسانية، والذي يجب أن نشير له هنا هو إن إيران الخميني لم تکن بأفضل من عراق صدام حسين من حيث المساحة المحددة للحريات، فالحرية مرهونة بمماشاة و مسايرة النظام على أقل تقدير.

إيران و بإعتراف المسؤولين الايرانيين، يعيش أکثر من نصف سکانها تحت خط الفقر، ناهيك عن وجود ملايين تعاني من المجاعة وإن الانتفاضة الاخيرة التي کانت إحدى شعاراتها(العمل الخبز الحرية)، جسدت هذه المعاناة، وإذا ماکان صدام قد حکم العراق بالحديد و النار، لکن الذي يجب الاعتراف به هو إنه حتى وفي أحلك فترات الحصار کان يوفر الطعام و سبل المعيشة للشعب العراقي، لکن، مانراه إيران و في العراق الخاضع لنفوذهم، هو شعبين يعانيان من أسوأ الاوضاع المعيشية.

الخميني الذي کان يلعن صدام و يعتبره کافرا، لو قارنا بينالعراق الذي يخضع لمشروعه و هناك سعي حثيث من أجل سحب التجربة الخمينية عليه، وبين عراق صدام حسين، فإن الافضل من أغلب الوجوه هو الاخير، والاهم من ذلك إن جميع الذين شارکوا في إسقاط صدام وفي مقدمتهم إيران الخميني و سوريا الاسد بشکل خاص، تتساقط على رؤوسهم اللعنات، ولو تسنى للخميني النهوض من قبره ليرى الشعب الايراني بعد أربعة عقود على النظام الذي أسسه في إيران، ينتفض ضد النظام و يرفع شعار(الاستقلا الحرية الجمهورية الايرانية) و ينادي بأعلى صوته بالموت لخليفته، فإنه کان سيعرف کيف جنى على إيران التي تناضل الان من أجل غد من دون عمائم و عباءات الظلم التي أشبعت الشعب الايراني ظلما و فقرا و جوعا، وإن إيران تعيش ذات المخاض الذي عاشته في اواخر عهد الشاه، وسوف تؤکد الايام القادمة ذلك