قالت العرب من المعضلات توضيح الواضحات. 
إذا إسال نفسك: هل الصمت لغة أم صفة في البشر؟ وما اختلافه عن السكوت. 
نتأمل تحليلات التواصل وما يتعلق بما يلفظه الإنسان بدأ بمخارج الحروف ومرورا بتركيب الكلام ولكن هل تأملنا الصمت. إنه فن من فنون الكلام : من أتقنه نال مراده في أي مكان وزمان. 
فبربك ; هل سبق ندمت\ي على صمتك أم كلامك؟ من بلغ النضج العقلي وعنده الحكمة الكافية من الخبرة، يتكلم صمتا. 
فالأشجار صامتة، ولكنها ليست ميتة أو فارغة. إنها تتمايل مع النسيم عازفة أعذب الألحان.. 
الصمت صوت خفيّ يغمر كيانك... إنه موسيقى أثيريّة تعزفها روحك المطمئنة على القيثارة الأبديّة التي وهبك إياها الله، فتجد اللغة عاجزة عن التعبير عنها.

* الصمت في اللغة
وقيل في لسان العرب لابن منظور : سَكَت الصائت سُكُوتاً : إذا صَمَت. ونستطيع القول بأن المعنى المخصوص للسكوت لا يخرج عن المعنى اللغوي وذكر ابن عابدين في حاشيته بأن : « السكوت ضم الشفتين ، فإن طال سمي صمتاً ». 
وعرفه الدكتورالشرنباصي بأنه : « حالة سلبية غير مصحوبة بلفظ ، أو إشارة ، أو فعل شيء ينبئ عن الإرادة ، ويدل عليها ». وله عدة ألفاظ متصلة فمثلا الصمت هو السكوت المطلق أما الإنصات فهو السكوت للإستماع والإصغاء. فيتضح مما سبق أن الصمت أعمّ من السكوت ، بينما الإنصات هو أخص من السكوت. والصمت لغة كأي لغات العالم، تضاف لرصيد معرفتك.

* الصمت في التربية
عندما يعجز اللسان عن الحديث وتعجز الجوارح عن التعبير فالصمت هو المعبر الوحيد بما يألم هذا الانسان. 
لأنه العلم الأصعب من علم الكلام، ويصعب على الكل تفسيره وهو الأفضل لكل جواب. 
فسكوت الأب عن تصرف لإبنه والمدير عن تصرف ما لموظف والبائع عن همسة ما من الأجير فيها تربية ودرس. 
عندما نبكى من الداخل وقناع الابتسامه على وجوهنا ستكون لحظات الصمت هى الفارق بين البكاء والابتسامة.
وعندما نرى أن من كانوا اقرب الناس ألينا قد آلفوا البعد عنا فالصمت هو أبلغ رد.

* الصمت في الحزن
عظمة الصمت تكمن في عدم امتلاكك للصمت... إنه ليس ملكيّتك، لأنّه يتملّكك منذ الولادة.
الصمت هو الوعي، وعندما تكون واعياً، تختفي الأفكار... تذوب الأنا، فقط تذكّر أن الله معك... يراك، يسمعك، يحميك... عندها ستصمت لأنك تعلم الحقيقة وستشعر بآلاف النعم تغمرك... لقد تعرّفت الى نفسك، والآن أنت تتعرّف الى ربِّك.
هل أحسستم يومًا بألم الصمت؟... ماذا تفعلون إذا كنتم لا تستطيعون التغلّب على نقطة ضعفكم التي هي صمتكم عندما يساء اليكم؟ إن لغة الصمت تفوق لغة الكلام، وتفوق عدم الكلام. هي لغّة الوجود. 

* الصمت في الحياة

في حياتنا الكثير من الضعفاء الذين يخافون الكلام أو ممن رضخ لواقعه : فهؤلاء يجمعون بين طياتهم أضدادا كثيرها إيجابي والقليل منها سلبي. 
فالصمت يمدّك بطاقة قويّة، فيرتاح تفكيرك، ويكون تركيزك في الإجابات أنقى وأصفى ويمنح العقل قوة عظيمة لا مثيل لها.
فغالبا ما يولد الإحترام لأنه يعلّمك فنّ الإصغاء والإستماع الذي يفتقده معظم الناس. 
أصمت، عندما أجد أن الحديث في المجتمع هو حديث مملّ، ولا نتيجة من متابعة الكلام، فالنقاش مع الطرف الآخر لا يجدي نفعاً.
إنه يولد لدى الآخرين شعورا بالغيظ الشديد فيعتبرونه هجوما مستترا، فتكون الأقوى من دون كلام ولا تعب. 

* الصمت في السياسة
أصمت عندما يكون الصمت هو اللغة الوحيدة للتفاهم في جوّ يسوده الكلام الفارغ والآراء المختلفة والعنجهيّة الفكريّة.
أصمت عندما أرى المبادئ الأخلاقيّة تشوبها الشُبهات وتتأثّر بكل الظروف وتنهار.
أصمت عندما أعرف الكثير، وحرصاً على ألاّ أجرح مشاعر غيري.
أصمت حين يعجز الكلام عن التعبير.
قيل إن الصمت بالنسبة إلينا يعني عدم الكلام، وغياب الصوت لا أكثر…
هل حقاً نعرف ماهو الصمت؟ إنّ أحداً منّا لم يختبر تجربة الصمت الحقيقي ولم يعشها حقاً... 
ويقول غلاسكو: (لا بدّ من لزوم الصمت أحيانًا ليسمعنا الآخرون)
في علم السياسة يسمون السياسيون الصامتون أو حزب الكنبة وهي الطبقة التي تشاهد وتتابع من بعيد ولكن عند حديثها ترجح كفة على الأخرى. لأن لصمتهم بعدٌ آخر... أبعد من أيّ حدود.

* ماذا يعلمنا الصمت؟ 
يعلمنا حسن الاستماع الذي يفتقده الكثيرون. 
يعلمنا أن نحاول إتقان هذا الفن ولن نفشل أبدا في تحقيق ما نريد في أي وقت وموقف.
يعلمنا بأنه فن لقي الاهتمام مؤخرا بحسب الباحث مايكل إيفرت ويقول :( أن الصمت البليغ يأتي عبر سياقات معينة ، يوصل رسائل لها معنى قد لا يوصلها الكلام وذكر بأننا نستطيع أن نضع لكل هذه السكتات رموزا ويصبح لها معنى في المعجم ). 

لذا فسكوتك الإختياري يحمل دلالة ورسالة معينة خاصة عند قدرتك على الحديث.