في فلم التانغو الاخير في باريس، وعندما يتلقى بطل الفلم باول"مارلون براندو"، رصاصة من بطلة الفلم جيني"ماريا شنايدر"، يصبح في حالة ذهول فيتجه الى البلکونة التي تطل على باريس ومن هناك يحدق في المدينة بعمق وهو يقول"أنا أتذکر" ويتهاوى في البلکونة ميتا وهو مصدوم. وکثيرا مايجد الانسان نفسه في موقف صادم يشله و يجعله في حالة ترنح بين الحياة و الموت وعندها قد يکتشف الحقيقة ولکن لات حين مناص!
قد أرتکب ظلما کبيرا عندما أصدم القارئ بتشبيه المرشد الاعلى في إيران بباول"الممثل المبدع مارلون براندو"، من حيث إن کلاهما قد صدم بالحقيقة المرة ولکن باول مات من هول المفاجأة أما خامنئي، فإن الحقيقة التي صدمته في عام 2009 و عام 2017، على أثر إنتفاضتين جردتاه من هيبته و رفضتاه هو و نظامه بصراحة فجة، لم تردي به بل وحتى لم تدفعه کأي قائد أو زعيم الى الشعور بالخجل و الندم و ترك المنصب وانما إزداد تمسکا بالمنصب، فالملايين المطالبة برحيله، هم منافقون و کفرة و أناس ضلوا الطريق!!
السباحة ضد التيار و الإصرار على موقف خاطئ و مرفوض، ليس بذلك الامر السهل الذي بإمکان الاستمرار به طويلا، خصوصا عندما يقف ذلك المعاند على أرض رخوة و بين جدران متداعية من دون أساس، لکنه مع ذلك يٶکد للجميع من إن کل شئ على مايرام و ليس هناك مايدعو للقلق، وهذا هو حال خامنئي اليوم رغم إن الصدمة التي أصابته على أثر الانتفاضة الاخيرة کانت من القوة بحيث جعلت متواريا عن الانظار لثلاثة عشر يوما ليخرج بعدها و الوجوم يظهر بوضوح على وجهه وهو يعلن للملأ من إن منظمة مجاهدي خلق کانت وراء الانتفاضة، وکأنه بذلك يوحي بتکفير من شارکوا في الانتفاضة لأن القيادة بنظره کافرة، والکفر بنظر خامنئي و نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية هو أن تکون معارضا و مخالفا للنظام، وذلك يعني بأن خامنئي يحکم شعبا من الکفار و الخونة و المارقين. لکن هل شفع ذلك للخامنئي؟
"اني باعتبار وظيفتي في المحكمة الخاصة أرى تقديم تقارير غيرقابل للانكار في هذا المجال في مدينة قم هناك بعض من يتشدقون بأنهم رجال الدين يشكلون إجتماعا في نمط تنظيمات وموضوع الاجتماع لهؤلاء السادة يركزعلى كيفية شطب مسألة ولاية الفقيه من الدستور والنظام."، هذا الکلام قد جاء على لسان رجل الدين، جعفر منتظري المدعي العام، في 27 نيسان الماضي، أي قبل فترة قصيرة، وهذا الکلام يعني إن رفض النظام و ديکتاتورية الولي الفقيه قد إجتاحت المٶسسة الدينية في قم و التي کانت الحصن الحصين للنظام، فماذا يحدث في إيران التي إنطلقت الانتفاضة الاخيرة التي نادت بالموت لخامنئي من مدينة مشهد المقدسة، بل وماذا يجري للولي الفقيه نفسه؟!
إعترافات رجال الدين من الدائرة المقربة من الولي الفقيه بزيادة الکراهية و الرفض للنظام و المطالبة بإنهاء دور التسلطي القمعي، حقائق تصفع النظام القائم منذ أربعة عقود و تثبت فشله و إخفاقه الکامل، لکن المثير للسخرية و التهکم عندما يبادر هٶلاء الى إظهار الحقيقة مشوهة و محرفة فهاهو رجل الدين أحمد جنتي، رئيس مجلس الخبراء يعرب عن تعجبه من رفض النظام في المٶسسة العلمية في إيران فيقول:" لا أعرف لماذا في الجامعات وبين الطلاب والأساتذة بعض منهم ضالين الى درجة حيث يبرزون جهارا وفي الخفاء رفضهم لولاية الفقيه. في حين أن ولاية الفقيه و بجانبها قوات الحرس و الباسيج تقاتل الأعداء."، وأي أعداء يقاتلون؟ هل هناك من أعداء غير الشعب الايراني و شعوب المنطقة و الانظمة القائمة القائمة فيها؟ بل وان رجل الدين فاضل لنکراني يعترف بالحقيقة المرة برفض دور رجال الدين في الحکم و السياسة لکنه يعبر عن أسفه لذلك عندما يٶکد من إنه:" يريد عدد من المواطنين أن يكون رجال الدين غير مبالين بالثورة. لسوء الحظ أظهرت هذه الفكرة نفسها في السنوات الأخيرة من جديد وتقول علينا ألا نتدخل في الشؤون! ويترك رجال الدين الساحة ويكتفي بالاشراف والتوجيه العام"، إنهم يعرفون بکراهية الشعب عامة و النخب منها خاصة، لکن خامنئي و رجاله لايزالوا متسمکين بالحکم و يتصوروا من إنهم سيتجاوزوا هذه المرحلة أيضا.
المرحلة الحالية التي يواجهها خامنئي المريض و المتعب و نظامه المتداعي المهزوز، مرحلة تختلف عن المراحل السابقة جملة و تفصيلا، إنها المرحلة التي ينعدم فيها الامل بإصلاح الامور و معالجتها، تماما کالمريض الذي يعلن الاطباء اليأس من حالته، والحق إن الجمهورية الاسلامية الايرانية کنظام سياسي فکري قد بدأ العد التنازلي لنهايتها في إنتفاضة 2009، عندما ضاعت هيبة منصب المرشد الاعلى و الذي هو کلمة سر النظام کله، وخامنئي قد إنتهى معنويا منذ ذلك الحين، ولذلك فمن الطبيعي جدا أن يعلن القادة و المسٶولون الايرانيون وهو يرون تداع النظام و قرب سقوطه من إن النظام سقط يوم فقد الخامنئي هيبته کولي فقيه!