تؤكد الاستقالات التي يقدم عليها الوزراء في الدول الغربية، من وقت الى آخر، على روح المسؤولية التي يتحلى بها هؤلاء المسؤولون، كما تعكس ثقافة تحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ المهني او الشخصي، والهدف من كل هذا هو إعلاء شأن قيمة المسؤولية والالتزام الأخلاقي والمهني والادبي امام الرأي العام، أي الشعب الذي هو مصدر السلطات. التطور السياسي والمؤسساتي في الدول الديمقراطية العريقة أصبح يسمح بتحديد واضح ودقيق للمسؤوليات، ويجعل من رئيس الوزراء والوزراء مسؤولين مسؤولية كاملة سياسيا واخلاقيا وادبيا عن كل تصرفاتهم الشخصية التي قد تتضارب مع المصلحة العامة او تتناقض معها. إليكم بعض من هذه الاستقالات:

"توم برايس" – وزير الصحة الأمريكي

قدم وزير الصحة الأمريكي "توم برايس" استقالته بسبب استخدام طائرات خاصة في مهامه عمله. وفي خطاب الاستقالة، قال "برايس" إنه يأسف لأن أحداثا جرت مؤخرا شغلته عن العمل في الوزارة. قدم "برايس" اعتذارا لدافعي الضرائب الأمريكيين بعدما قام بنحو 26 رحلة طيران خاصة. وذكر تحقيق لموقع الأخبار السياسي الأمريكي "بوليتيكو" أن رحلات "برايس" بلغت تكلفتها أكثر من مليون دولار. هذا إضافة إلى رحلات خاصة بلغت قيمتها 400 ألف دولار، من بينها طائرة عسكرية استخدمها في رحلة خارج البلاد. حسب القانون، يتعين على المسؤولين الحكوميين، باستثناء الذين يتعاملون مع قضايا تتعلق بالأمن القومي، السفر على متن رحلات اقتصادية لأداء عملهم.

"جانين هنيس" – وزيرة الدفاع الهولندية

قدّمت وزيرة الدفاع الهولندية "جانين هنيس" استقالتها من منصبها، بعدما خلص تحقيق إلى وجود تقصير خطير أدى الى مقتل جنديين هولنديين من القبعات الزرق، وإصابة ثالث في انفجار عرضي لقذيفة هاون خلال مهمة تدريب في مدينة "كيدال" شمال شرق "مالي" في شهر يوليو من العام 2016م. وقالت الوزيرة في ختام جلسة مناقشة عقدها مجلس النواب على مدى أكثر من 4 ساعات «أنا مسؤولة سياسيا وأتحمل مسؤوليتي، وأستقيل من منصبي كوزيرة للدفاع». وخلص مكتب تحقيقات السلامة في تقريره الرسمي بشأن الحادث إلى أن العسكريين استخدموا في التدريب قذائف من مخزون قديم يعود إلى العام 2006م.

"كريستينا سيفوينتس" – رئيسة حكومة مدريد الاقليمية

استقالت رئيسة حكومة مدريد الاقليمية "كريستينا سيفوينتس" في إسبانيا من منصبها في ظل مزاعم محاولتها سرقة مستحضرات تجميل من متجر سوبرماركت، حيث تم نشر مقطع فيديو في العام 2011م يظهرها تسلم عبوتين من كريم العناية بالبشرة قيمتها 40 يورو متهمة بسرقتها. كما تنازلت عن شهادة الماجستير بعد ان تبين تزوير توقيعين على الشهادة. تعتبر "كريستينا" من الشخصيات السياسية البارزة في حزب الشعب يمين الوسط الاسباني. 

"برونو لورو" – وزير الداخلية الفرنسي

أسرع "برونو لورو" وزير الداخلية الفرنسي الى تقديم استقالته لرئيس الجمهورية، بعد ان عبرت غالبية الفرنسيين عن استهجانها لتوظيف النواب الفرنسيين لأبنائهم وزوجاتهم، خاصة في الظروف الاقتصادية الصعبة. وكان الوزير قد تعرض لانتقادات بسبب توظيفه إبنتيه "غاييل وماري" القاصرتين بعقود مؤقتة، ثم تبين ان إحداهما كانت تعمل في "بلجيكا" في الوقت الذي كانت تتلقى فيه مرتبامن البرلمان، بينما الثانية مسجلة في "مدرسة عليا" وفي نفس الوقت تتلقى مرتبا، باعتبارها مساعدة برلمانية.

"مايكل بايتس" - وزير الدولة البريطاني للشؤون الدولية والتنمية

بعد وصول "مايكل بايتس" الى مجلس اللوردات متأخرا خمس دقائق عن الموعد، وجه كلمة اعتذار عن التأخر، وقال سأتقدم اليوم باستقالتي الى رئيسة الوزراء، وجمع أوراقه وملفاته وغادر القاعة وسط ذهول الحاضرين الذين طالبوه بالعدول عن هذا القرار. الوزير اعتبر الوصول متأخرا على انه سلوك يدل على قلة الاحترام.

"ديفيد سيغموندور غونلوغسون" – رئيس وزراء أيسلندا 

إضطر "ديفيد سيغموندور" رئيس وزراء أيسلندا الى الاستقالة على خلفية الفضيحة التي أثارتها "أوراق بنما" بعدما كشفت وثائق مسربة انه وزوجته "آنا سيغرولوغ بالسدوتير" امتلكا شركة "اوفشور" في جزر العذراء البريطانية ووضعا ملايين الدولارات فيها.

"فابيانو سيلفيرا" – وزير الشفافية البرازيلي

استقال وزير الشفافية البرازيلي "فابيانو سيلفيرا" يوم الاثنين (30 مايو 2016م) بعد ساعات من اتهامه بمحاولة عرقلة التحقيق في قضية فساد كبرى قبل توليه منصبه. 

حين يستقيل الوزير بسبب مخالفته لائحة القوانين التي تنظم سير العمل في وزارته، او بسبب تصرفات شخصية تعتبر غير لائقةبالمنصب الوزاري، تعتبر هذه الاستقالة بمثابة اعتذار للشعب الذي منحه هذه الثقة. والاعتذار في حد ذاته قيمة أخلاقية وادبية تنطوي على قدر من الشجاعة، لذلك غالبا ما يحتفظ الشعب لهؤلاء الوزراء بالتقدير والاحترام، ويغض النظر عن الأخطاء او التقصير الذي بدر منهم. المؤسف في محيطنا العربي، غياب هذا السلوك الحضاري.